للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِانْتِشَارُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْوَطْءُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ وَاخْتِيَارٍ (وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ) كَمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ (أَوْ بِلَا وَلِيٍّ) كَمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَدَّ بِالْوَطْءِ فِيهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالثَّانِي يُحَدُّ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ (وَلَا) حَدَّ (بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ مِنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، وَالثَّانِي يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الْحَيَّةِ (وَلَا) بِوَطْءِ (بَهِيمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ يُعَزَّرُ فِيهِمَا وَمُقَابِلُهُ قِيسَ عَلَى الْمَرْأَةِ.

وَالثَّالِثُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَتُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ وَتُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً وَلَا تُقْتَلُ غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ (وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ) لِلزِّنَى (وَمُبِيحَةٍ) لِلْوَطْءِ (وَمَحْرَمٍ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا) وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ شُبْهَةً دَافِعَةً لِلْحَدِّ. .

(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْحَدِّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانُ وَعَلِمَ تَحْرِيمَهُ) فَلَا يُحَدُّ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَى لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ وَزَادَ عَلَى غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ السَّكْرَانِ أَيْ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِانْتِفَاءِ فَهْمِهِ وَحَدُّهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلَاقِهِ.

(وَحَدُّ الْمُحْصَنِ) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (الرَّجْمُ) «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ» فِي أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ مُكَلَّفٌ حُرٌّ وَلَوْ) هُوَ (ذِمِّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا فَاسِدٍ) فَإِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُحْصَنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) نَظَرًا إلَى الْفَسَادِ وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى النِّكَاحِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَتَكْلِيفِهِ) ،

ــ

[حاشية قليوبي]

وَلِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ فِي الْمُكْرَهِ وَهَذَا مِنْ شُبْهَةِ الْفَاعِلِ، وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَفِي كَوْنِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ طَرِيقَانِ فِي ضَمَانِ الْمَهْرِ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ: (لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ) وَهَذِهِ مِنْ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا عَدَمُ الْحَدِّ فِي النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِجَوَازِهِ وَفِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ مَعًا لِقَوْلِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ بِهِ، قَوْلُهُ: (لَا حَدَّ بِالْوَطْءِ فِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ، عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَعْمِيمِ الْخِلَافِ لِغَيْرِهِ وَهَذَا مِنْ أَسْرَارِ الشَّارِحِ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ) فَاعِلَةً كَانَتْ أَوْ مَفْعُولَةً قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُعَزَّرُ) أَيْ الْآدَمِيُّ قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ الْمَيْتَةِ وَالْبَهِيمَةِ.

قَوْلُهُ: (وَتُذْبَحُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ: (وَمُبِيحَةٍ) وَالْقَوْلُ بِحِلِّهِ عَنْ عَطَاءٍ كَذِبٌ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْعَقْدِ فِي الْمَحْرَمِ شُبْهَةٌ وَالرَّاهِنُ فِي مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَذِكْرُ الْغَايَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ بِعَدَمِ إيجَابِ الْحَدِّ، وَيَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَمُلَاعَنَتِهِ وَزَوْجَةِ غَيْرِهِ، وَمُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَمُرْتَدَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ قَالَ الْبَغَوِيّ، وَكَذَا مَجُوسِيَّةٌ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ لِمَا قِيلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ ادَّعَى مُسْقِطًا لِلْحَدِّ كَجَهْلِ تَحْرِيمٍ أَوْ نَسَبٍ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ) بِبُلُوغٍ وَعَقْلٍ مَعَ الْتِزَامٍ لِلْأَحْكَامِ فَيُحَدُّ ذِمِّيٌّ وَمُرْتَدٌّ لَا حَرْبِيٌّ وَنَحْوُ مُعَاهَدٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُحَدُّ الصَّبِيُّ) وَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ وَاسْتِدَامَةً لِلشُّبْهَةِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظُنَّ أَنَّهُ صَبِيٌّ فَبَانَ بَالِغًا فَيُحَدُّ.

تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْخُنْثَى هُنَا مَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ: (وَحَدُّ الْمُحْصَنِ) أَيْ وَقْتُ وَطْءِ الزِّنَى وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدَهُ فَيُرْجَمُ حُرٌّ اُسْتُرِقَّ لَا عَكْسُهُ وَيُرْجَمُ ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْعِبْرَةُ فِي صِفَةِ الْحَدِّ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَيُحَدُّ نَحِيفٌ سَمِنَ بِالسِّيَاطِ وَسَمِينٌ نَحِفَ بِالْعُثْكَالِ.

فَائِدَةٌ: الْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ سَبْعَةِ مَعَانٍ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، وَبِكُلٍّ مِنْهَا فُسِّرَتْ آيَةُ فَإِذَا أُحْصِنَّ وَالْحُرِّيَّةِ وَبِهَا فَسَّرَ آيَةَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] ، وَالْعِفَّةِ عَنْ الزِّنَى وَبِهَا فَسَّرَ آيَةَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] وَالْإِصَابَةِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَبِهَا فَسَّرَ آيَةَ {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤] وَهَذِهِ الْمُرَادَةُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (الرَّجْمُ) وَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ قَطْعِ آلَتِهِ لِدُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ بَدَنِهِ الْهَالِكِ كَمَا دَخَلَ فِيهِ الْجَلْدُ لَوْ سَبَقَهُ كَأَنْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ مُحْصَنًا فَيُرْجَمُ فَقَطْ، وَلَا يُجْلَدُ وَلَا يَغْرُبُ عَلَى قَاعِدَةِ مَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا بِعُمُومِهِ كَمَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ مَعَ الْأَكْبَرِ كَذَا قَالُوا هُنَا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْصَنُ هُنَا مُكَلَّفٌ بِبُلُوغٍ وَعَقْلٍ كَمَا مَرَّ، وَحُرِّيَّةٍ كَامِلَةٍ وَوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَمَا يَأْتِي، قَوْلُهُ: (حُرٌّ) أَيْ كَامِلُ الْحُرِّيَّةِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ هُوَ ذِمِّيٌّ) هُوَ قَيْدٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِلَّا فَالْحَرْبِيُّ مُحْصَنٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لِوُجُودِ مَا يَأْتِي فِيهِ فَلَوْ زَنَى بَعْدَ إسْلَامِهِ رُجِمَ، قَوْلُهُ: (حَالَ حُرِّيَّتِهِ) وَلَوْ حَرْبِيًّا لِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا، قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

كُلُّ إلَخْ) شُبْهَةُ طَرِيقٍ. قَوْلُهُ: (أَبَاحَ بِهَا) أَيْ الْوَطْءَ ثُمَّ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالصِّحَّةِ أَوْ الْفَسَادِ فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا، قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي) إلَى قَوْلِهِ بِلَا وَلِيٍّ يُفِيدُك أَنَّ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُؤَاخَذَةً فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ، قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ) نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةً.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ شُبْهَةً لَثَبَتَ النَّسَبُ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِاتِّفَاقٍ أَوْ يَقُولُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ شُبْهَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَلَى مَا بَحَثَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْجُرْجَانِيَّ اسْتَثْنَى مَا لَوْ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ وَأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْفَرْقِ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ جَعَلُوا الْعَقْدَ شُبْهَةً

[شُرُوطُ حَدّ الزِّنَا فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ]

قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ،

[وَحَدُّ الْمُحْصَنِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فِي الزِّنَا]

قَوْلُهُ: (مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ أَيْ لِحَدِيثٍ وَرَدَ بِذَلِكَ، قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُكَلَّفٌ) هَذَا الْوَصْفُ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الْحَدِّ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْصَانِ، قَوْلُهُ: (غَيَّبَ حَشَفَتَهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُكْرَهًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَمِثْلُهُ التَّحْلِيلُ فِيمَا يَظْهَرُ كَذَا حَاوَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي) عِبَارَةُ غَيْرِهِ. لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّسَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>