فَصْلٌ (تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ) كَمَا لَوْ عَقْدٌ وَفَسْخٌ وَطَلَاقٌ وَعِتْقٌ وَوِلَادَةٌ وَرَضَاعٌ وَوَقْفُ مَسْجِدٍ وَزَكَاةٌ وَجِهَةٌ عَامَّةٌ، (وَفِي عُقُوبَةِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ بِخِلَافِ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَمِنْهُ خَرَجَ قَوْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْآدَمِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ أَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يُوَسَّعُ بَابُهَا وَدُفِعَ التَّخْرِيجُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَلِذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ، وَهَذَا الْخِلَافُ وَالتَّخْرِيجُ وَالتَّرْجِيحُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْكَتْبِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَأَحَالَ هُنَا عَلَيْهِ حُكْمَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَصْحِيحِ الْقَبُولِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ. وَالْمَنْعِ فِي الثَّانِي وَتَبِعَهُ فِي الِاقْتِصَارِ فِي الرَّوْضَةِ وَعَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي الْمِنْهَاجِ فِي الْقَضَاءِ بِالْأَظْهَرِ، (وَتَحَمُّلُهَا بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ) الْأَصْلُ (فَيَقُولُ أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا وَأُشْهِدُكَ) عَلَى شَهَادَتِي (أَوْ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَوْ يَسْمَعُهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ) إنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ، (أَوْ) يَسْمَعْهُ (يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، كَقَرْضٍ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ قَاضٍ، (وَفِي هَذَا وَجْهٌ بِالْمَنْعِ) لِاحْتِمَالِ التَّوَسُّعِ فِيهِ (فَلَا يَكْفِي سَمَاعُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا أَوْ عِنْدِي شَهَادَتُهُ بِكَذَا) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَتَسَاءَلُونَ فِي إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى عِدَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَلْيُبَيِّنْ الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ) فَإِنْ اسْتَرْعَاهُ الْأَصْلُ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ بَيَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْمَشْهُودَ بِهِ إلَى سَبَبِهِ (فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ) جِهَةَ التَّحَمُّلِ (وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَلَا بَأْسَ) فِي ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا.
(وَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَى شَهَادَةٍ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ) كَفَاسِقٍ وَرَقِيقٍ وَعَدُوٍّ (وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ) وَإِنْ كَانَتْ الْأُصُولُ أَوْ بَعْضُهُمْ نِسَاءً وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي وِلَادَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مَالٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ تُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ، لَا مَا شَهِدَ بِهِ الْأَصْلُ. (فَإِنْ مَاتَ الْأَصْلُ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ) ذَلِكَ (شَهَادَةَ الْفَرْعِ) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا كَمَا سَيَأْتِي بِشَرْطِهِ وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، (وَإِنْ حَدَثَ رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ مَنَعَتْ) شَهَادَةَ الْفَرْعِ (وَجُنُونُهُ) أَيْ الْأَصْلِ، (كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ)
ــ
[حاشية قليوبي]
فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ) أَيْ إثْبَاتُهَا أَمَّا رَفْعُهَا كَأَنْ كَانَا شَاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَنْهُمَا، قَوْلُهُ: (كَحَدِّ الزِّنَا) وَمِثْلُهُ الْإِحْصَانُ وَإِنْ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، قَوْلُهُ: (عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ) نَظَرًا لِدَفْعِ التَّخْرِيجِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ، قَوْلُهُ: (فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) وَهُوَ عُقُوبَةُ الْآدَمِيِّ، قَوْلُهُ: (خِلَافُ تَعْبِيرِهِ إلَخْ) فَكَانَ حَقُّهُ هُنَاكَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ رَدُّ التَّخْرِيجِ، قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ) أَيْ يَطْلُبَ مِنْهُ رِعَايَةَ الشَّهَادَةِ وَحِفْظَهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَمَنْ سَمِعَهُ يَسْتَرْعِي غَيْرَهُ كَذَلِكَ، قَوْلُهُ: (الْأَصْلُ) قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ لِلْفَرْعِ أَنْ يَسْتَرْعِيَ غَيْرَهُ، وَهَكَذَا لَكِنْ عَلَيْهِ هَلْ يَكْفِي تَسْمِيَةُ الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّاهِدِ الْأَصْلِيِّ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَا بَعْدَهُ رَاجِعْهُ، قَوْلُهُ: (أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا) أَيْ أَنَا شَاهِدٌ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا كَمَا يَأْتِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ السَّبَبِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ قَاضٍ) ، وَكَذَا مُحَكَّمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُرَادُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ الْإِلْزَامُ كَمَا مَرَّ، قَوْلُهُ: (وَفِي هَذَا وَجْهٌ) وَحُمِلَ عَلَى مَا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ الْقَطْعِيَّةُ عَلَى تَسَاهُلِ الشَّاهِدِ، قَوْلُهُ: (بِعِلْمِهِ) أَيْ بِمَعْرِفَةِ الشَّاهِدِ بِجِهَةِ التَّحَمُّلِ،.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الشَّاهِدُ مُوَافِقًا لِلْقَاضِي) نَعَمْ يُنْدَبُ اسْتِفْصَالُهُ قَوْلُهُ: (لَا مَا شَهِدَ بِهِ الْأَصْلُ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْلٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَأَرَادَ ذُو الْحَقِّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ هَذَا الْفَرْعِ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَرْعَانِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَلَهُ الْحَلِفُ مَعَهُمَا، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَ) أَيْ قَبْلَ شَهَادَةِ الْفَرْعِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَلَا يَضُرُّ حُدُوثُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ، قَوْلُهُ: (أَوْ عَدَاوَةٌ) أَيْ بَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلِ، قَوْلُهُ: (مُنِعَتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَهْجُمُ غَالِبًا دَفْعَةً فَتُورِثُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى، وَلَيْسَ لِمُدَّتِهَا الْمَاضِيَةِ ضَبْطٌ فَتَنْعَطِفُ عَلَى حَالَةِ التَّحَمُّلِ فَيُبْطِلُ ذَلِكَ التَّحَمُّلَ، حَتَّى لَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ اُحْتِيجَ إلَى تَحَمُّلٍ جَدِيدٍ وَبِذَلِكَ يُلْغَزُ وَيُقَالُ لَنَا شَخْصٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَامْتَنَعَ الْحُكْمُ بِهَا لِفِسْقِ غَيْرِهِ.
فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَتَكْذِيبُ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ كَقَوْلِهِ نَسِيت مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ الْفَرْعِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَجُنُونُهُ) أَيْ حَالَةَ
[حاشية عميرة]
[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَة]
فَصْلٌ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَسْتَرْعِيهِ) أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ رِعَايَةَ الشَّهَادَةِ وَحِفْظَهَا، قَوْلُهُ: (بِكَذَا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ) .
فَرْعٌ: لَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْلٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَأَرَادَ ذُو الْحَقِّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ هَذَا الْفَرْعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَرْعَانِ فَلَهُ الْحَلِفُ مَعَهُمَا، قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقِعُهُ فِي رِيبَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute