للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَمِينِ (بِلَا قَصْدٍ) كَقَوْلِهِ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ لَا وَاَللَّهِ تَارَةً وَبَلَى وَاَللَّهِ وَأُخْرَى. (لَمْ تَنْعَقِدْ) يَمِينُهُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ لَغْوَ الْيَمِينِ الْمُفَسَّرَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ.

(وَتَصِحُّ) الْيَمِينُ (عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ) نَحْوُ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ فَعَلْته وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُهُ. (وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ) قَالَ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] (إلَّا فِي طَاعَةٍ) كَفِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ. .

(فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ عَصَى بِحَلِفِهِ وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ) بِالْمُثَلَّثَةِ. (وَكَفَّارَةٌ أَوْ) عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ) كَالِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ (سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) أَوْ (عَلَى) تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ (فِعْلِهِ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ. (فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ وَقِيلَ) الْأَفْضَلُ (الْحِنْثُ) لِيَنْتَفِعَ الْمَسَاكِينُ بِالْكَفَّارَةِ.

فَرْعٌ: الْأَيْمَانُ الْوَاقِعَةُ فِي الدَّعَاوَى إذَا كَانَتْ صَادِقَةً لَا تُكْرَهُ وَلَا يُكْرَهُ الْيَمِينُ لِتَوْكِيدِ كَلَامٍ.

(وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٌ) كَالْحِنْثِ فِي الْمُبَاحِ (قِيلَ وَ) حِنْثٍ (حَرَامٌ) كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ كَالزِّنَا (قُلْت هَذَا) الْوَجْهُ (أَصَحُّ) مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَخْذًا مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ الشَّرْحِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ بِالْحَذَرِ مِنْ التَّطَرُّقِ. إلَى ارْتِكَابِ حَرَامٍ وَالصَّوْمُ لَا يَجُوزُ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ) أَيْ فِي الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهُ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا فِعْلًا أَوْ تَرْكًا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ كَبِيرَةٌ هُوَ مِنْ حَيْثُ اقْتِطَاعُ الْمَالِ بِهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا فَرَاجِعْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا وَلِكَثْرَةِ تَوَلُّعِ الشَّيْطَانِ بِهِ الْمُوقِعُ لَهُ فِي النَّدَمِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْحَلِفِ حَنِثَ أَوْ نَدِمَ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا قَطُّ.

قَوْلُهُ: (فَطَاعَةٌ) أَيْ لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً، ثُمَّ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا فِعْلُ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُ حَرَامٍ وَجَبَتْ أَوْ فِعْلُ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكُ مَكْرُوهٍ نُدِبَتْ.

قَوْلُهُ: (عَصَى بِحَلِفِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ أَوْ الْفِعْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، ثُمَّ لَوْ أَمْكَنَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ كَقَوَدٍ أَوْ كَانَ كِفَايَةً لَمْ يَعْصِ، كَذَا قَالُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا إنْ أَرَادُوا إمْكَانَ عَدَمِ الْحِنْثِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، فَلَهُ طَرِيقٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَنْ يَكْفِيَهَا وَيُبْرِئَهَا وَتُبْرِئَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ) وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ يَحْرُمُ الْحِنْثُ وَيَحْصُلُ الْحِنْثُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ بِفِعْلِهِ، وَفِي فِعْلِ الْحَرَامِ بِتَرْكِهِ فِي وَقْتٍ قُيِّدَ بِهِ إنْ قُيِّدَ وَإِلَّا فَبِتَرْكِهِ مُطْلَقًا.

قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ، أَوْ تَرْكُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ، وَإِنْ سَبَقَ سَبَبُهُ أَمَّا لَوْ حَلَفَ إنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا مُعَيَّنًا كَاذِبًا أَوْ فَعَلَ حَرَامًا كَذَلِكَ فَهُوَ حَانِثٌ بِمُجَرَّدِ حَلِفِهِ، وَهَذِهِ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الْمَاضِي وَتَلْزَمُهُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (سَنَّ حِنْثُهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ يُكْرَهُ حِنْثُهُ وَفِيهِ مَا مَضَى. قَوْلُهُ: (فَالْأَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ يُنْدَبُ عَدَمُ حِنْثِهِ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ دِينِيٌّ كَأَنْ لَا يَأْكُلَ طَيِّبًا لَا يَلْبَسُ نَاعِمًا كُرِهَ حِنْثُهُ، وَفِي عَكْسِهِ حِنْثُهُ قَطْعًا فِيهِمَا سَوَاءٌ قَصَدَ التَّأَسِّي بِالسَّلَفِ أَوْ لَا وَقَالَ الشَّيْخَانِ يُنْظَرُ فِي قَصْدِ الْحَالِفِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (إذَا كَانَتْ صَادِقَةً لَا تُكْرَهُ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْكَرَاهَةِ السَّابِقَةِ بَلْ لَوْ تَوَقَّفَ خَلَاصُ الْحَقِّ عَلَيْهَا وَجَبَتْ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمُتَوَقِّفُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ الْيَمِينُ لِتَوْكِيدِ كَلَامِ) إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَمِنْهُ حَدِيثُ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» .

تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا مَرَّ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَمِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَرَامًا أَوْ غَيْرَهُ، أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَرَامًا مُطْلَقًا، وَإِنَّ وَصْفَهَا بِالْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا هِيَ وَسِيلَةٌ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ مِنْ مَحَالِّهِ وَحَرِّرْهُ.

قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

لَغْوِ الْيَمِينِ اهـ.

وَجَعَلَ مِنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي مَا لَوْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُومَ فَحَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ. نَعَمْ اللَّغْوُ لَا يَجْرِي فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قَوْلُهُ: (لَا وَاَللَّهِ تَارَةً إلَخْ) لَوْ قَالَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلُهُ: (الْمُفَسَّرُ بِهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ لَغْوٌ.

[الْيَمِينُ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ]

قَوْلُهُ: (وَمُسْتَقْبِلٌ) لَوْ حَلَفَ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ فَلَا حِنْثَ بَلْ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِلِامْتِنَاعِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ، انْعَقَدَتْ وَحَنِثَ حَالًا وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ هَذَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَتِهِ بِخِلَافِ مُمْتَنِعِ الْحِنْثِ كَالْمِثَالِ

الْأَوَّلُ، قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْحَرَامَ وَالْمَكْرُوهَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ.

قَوْلُهُ: (سُنَّ حِنْثُهُ) وَتَكُونُ الْيَمِينُ مَكْرُوهَةً فِي الْحَالَيْنِ وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا خِلَافُ الْأُولَى فِي الثَّانِي لَعَلَّهُ فِي الْأَوَّلِ، قَوْلُهُ: (لِيَنْتَفِعَ الْمَسَاكِينُ) وَأَيْضًا فَفِي إقَامَتِهِ تَغْيِيرٌ لِمُوجِبِ الشَّرْعِ قَوْلُهُ:

(فَرْعٌ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْقَسَمَ الْأَخِيرَ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (جَائِزٌ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلَ الْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ وَغَيْرَهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ أَنَّ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ وَهُوَ كَذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْلُهُ: (إلَى ارْتِكَابِ حَرَامٍ) وَالْأَوَّلُ نَظَرٌ إلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبَعْدَهُ فَالتَّكْفِيرُ لَا يُفِيدُ الِاسْتِبَاحَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>