للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ (مُوجَبُ الْعَمْدِ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ (الْقَوَدُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ الْقِصَاصُ وَسُمِّيَ قَوَدًا لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ وَغَيْرِهِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ (وَالدِّيَةُ بَدَلٌ) عَنْهُ (عِنْدَ سُقُوطِهِ) بِغَيْرِ عَفْوٍ أَوْ بِعَفْوٍ عَنْهُ عَلَيْهَا (وَفِي قَوْلٍ) مُوجَبُهُ (أَحَدُهُمْ مُبْهَمًا) وَفِي الْمُحَرَّرِ لَا بِعَيْنِهِ أَيْ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) عَنْ الْقَوَدِ (عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي) لِأَنَّهَا بَدَلُ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَحَدُ مَا صَدَقَ مُوجَبُهُ عَلَى الثَّانِي (وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ) عَنْ الْقَوَدِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ (فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ) وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ تَجِبُ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

تَنْبِيهٌ: مَتَى وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَهِيَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الدَّهْشَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَمِينَ فِيهَا الْقَوَدُ إلَّا إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ إجْزَاءَ الْيَسَارِ عَنْهَا أَوْ قَصَدَ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْهَا وَأَنَّ الْيَسَارَ مُهْدَرَةٌ فِي قَصْدِ الْمُخْرِجِ الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا وَفِيهَا الْقَوَدُ إنْ دَهِشَا مَعًا أَوْ عَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ.

تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: قَصْدُ الْإِبَاحَةِ، قَصْدُ الْعِوَضِيَّةِ، الدَّهْشَةُ، عَدَمُ السَّمَاعِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْيَسَارِ إهْدَارُهَا فِي الْأَوَّلِ وَوُجُوبُ دِيَتِهَا فِي الثَّانِي مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي الْآخَرَيْنِ إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَمِينُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ وَإِلَّا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَفِي الْيَمِينِ مَا مَرَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

فَصْلٌ: فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ أَيْ فِيمَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ فِي جِنَايَةِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ عَمْدًا وَفِي الْعَفْوِ عَنْهَا قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَيْ وَاجِبُهُ أَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ الْفِعْلُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، وَيُقَالُ لَهُ السَّبَبُ وَلِلْآخَرِ الْمُسَبَّبُ.

فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَتَّمَ الْقَوَدُ وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَتَّمَ الدِّيَةُ فَخَفَّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِتَخْيِيرِهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا فِي إلْزَامِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (بَدَلٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَوَدِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَبَدَلُ الْبَدَلِ يُسَمَّى بَدَلًا، فَيَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا دِيَةُ رَجُلٍ وَعَلَى رَجُلٍ قَتَلَ امْرَأَةً دِيَةُ امْرَأَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ عَفْوٍ) بِأَنْ مَاتَ الْجَانِي أَمَّا فِي نَحْوِ الْأَبِ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ ابْتِدَاءً، وَقَدْ يُقَالُ وُجُوبُهَا ابْتِدَاءً لِعَارِضٍ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا بَدَلًا كَمَا فِي التَّيَمُّمِ لِلْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَكَمَا فِي الْفِدْيَةِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَجْهُ قَوْلُهُ: (لَا بِعَيْنِهِ) فَهُوَ الْمُرَادُ وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ اتِّحَادَ مَعْنَاهُ مَعَ إبْهَامٍ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ مُرَاعِيًا لِلِاخْتِصَارِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحَدَ الْمُبْهَمَيْنِ قَدْ لَا يَكُونُ مُغَايِرًا لِحَقِيقَةِ الْآخَرِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ الْحِصَّةُ الَّتِي مَتَى نُسِبَتْ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ.

قَوْلُهُ: (لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) وَمَعْنَاهُ عَلَى الثَّانِي الْعُدُولُ إلَيْهَا وَغَلَبَ عَلَيْهِ مَعْنَى الْأَوَّلِ فَعَدَّى الْعَفْوَ بِعَلَى بِقَوْلِهِ عَلَى الدِّيَةِ أَيْ عَلَى كُلِّ الدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا قَوْلُهُ: (إنْ قَبِلَ الْجَانِي) أَيْ بِاللَّفْظِ لِأَنَّهُ صُلْحٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِيغَةٍ قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ) بِأَنْ سَكَتَ بَعْدَ أَنْ قَالَ عَفَوْت لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ مَعًا أَوْ بَعْدَ أَنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ زَمَنًا يَقْطَعُ الْقَبُولَ عَنْ الْإِيجَابِ

ــ

[حاشية عميرة]

خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَوْ ظَنَنْت الْإِبَاحَةَ أَوْ دَهَشْت فَإِنَّ قِصَاصَ الْيَسَارِ وَاجِبٌ وَبَقِيَ حَالَةٌ رَابِعَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا أَخْرِجْ يَسَارَك فَأَخْرَجْتهَا قَالَ الشَّيْخَانِ فَفِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَحَالَةِ الدَّهْشَةِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ كَالْإِذْنِ يَلْتَحِقُ بِصُورَةِ الْإِبَاحَةِ. اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخْرِجَ إنْ قَصَدَ الْإِبَاحَةَ هُدِرَتْ يَدُهُ، وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ إلَّا فِي حَالَةِ الدَّهْشَةِ عَلَى مَا سَلَفَ فَبِالْقِصَاصِ، وَالْيَمِينُ قِصَاصُهَا بَاقٍ إلَّا إذَا أَخَذَ الْيَسَارَ عِوَضًا.

[فَصْلٌ مُوجَبُ الْعَمْدِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ الْقَوَدُ]

فَصْلٌ مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَلَمْ يَذْكُرْ الدِّيَةَ بَلْ جَعَلَ وُجُوبَهَا مَشْرُوطًا، بِالْعَفْوِ وَاسْتَدَلَّ الثَّانِي بِحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودِيَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ لَهُ» وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا، كَمَا أَنَّ مَاسِحَ الْخُفِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغُسْلِ، وَالْغُسْلُ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ الْإِمَامُ، وَلَوْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَلَسْنَا نُنْكِرُ كَوْنَ الْقِصَاصِ مَقْصُودًا لِغَرَضِ الزَّجْرِ، قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ عَفْوٍ) كَأَنْ مَاتَ الْجَانِي قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدًا مُعَيَّنًا مِنْهُمَا وَلَكِنَّهُ مُبْهَمٌ عَلَيْنَا بَلْ هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ) قَالَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كُنَّا نُخَيِّرُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَنَرْجِعُ لِلدِّيَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَفِي الْعِبَارَةِ الْمَشْهُورَةِ لِتَرْجَمَةِ الْقَوْلَيْنِ تَكَلُّفٌ وَالْعِبَارَةُ النَّاصَّةُ عَلَى الْمَقْصُودِ أَنْ يُقَالَ: الْعَمْدُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَالِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّهُ مُعَارِضٌ وَمُوَازٍ لِلْقِصَاصِ فَهَلْ يَثْبُتُ تَبَعًا وَبَدَلًا لَا أَصْلًا وَمُعَارِضًا قَوْلَانِ.

قَوْلُهُ: (لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ السُّلْطَانَ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الدِّيَةِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْأَوَّلِ) سَكَتَ عَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ) لَكِنْ لَهُ اخْتِيَارُهَا عَقِبَ ذَلِكَ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الثَّانِي تَعَيَّنَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>