للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ، وَتَتَحَقَّقُ بِمُعِيرٍ وَغَيْرِهِ.

(شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ، (وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي يَقُولُ: يَكْفِي فِي الْمُعِيرِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً لَهُ، وَشَرْطُ الْمُسْتَعِيرِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمُعِيرِ صِحَّةُ قَبُولِهِ التَّبَرُّعَ، فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الصَّبِيِّ، وَلَا اسْتَعَارَتْهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ) لَهُ، كَأَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلُهُ فِي حَاجَتِهِ.

(وَ) شَرْطُ (الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) ، فَلَا تَجُوزُ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا فِي اسْتِهْلَاكِهَا

(وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ) ذَكَرٍ (مَحْرَمٍ) لِلْجَارِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ إعَارَتُهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَا لِخِدْمَةِ ذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى، أَوْ قَبِيحَةً فَتَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ الْفَسَادُ. وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ فِي الْخِدْمَةِ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْحُرْمَةِ

(وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ اهـ.

ــ

[حاشية قليوبي]

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

قَوْلُهُ: (بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ) وَأَصْلُهَا عَوَرِيَّةٌ، تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، قُلِبَتْ أَلِفًا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ بِمَعْنَى التَّنَاوُبِ، أَوْ مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ.

وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْإِعَارَةُ مَصْدَرٌ، وَالْعَارَةُ اسْمُ الْمَصْدَرِ كَأَطَاقَ إطَاقَةً وَطَاقَةً. قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِمَا يُعَارُ) أَيْ لُغَةً، وَشَرْعًا اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْمُقَيَّدِ بِمَا يَأْتِي، أَوْ اسْمٌ لِإِبَاحَةِ مَنْفَعَةِ عَيْنٍ مَعَ بَقَائِهَا بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ

، وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِمُقْتَضَى التَّوَعُّدِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] الْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمَا يُعَارُ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالزَّكَاةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ جَرَى الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نُسِخَتْ إلَى النَّدْبِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ نَحْوِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ حَرٍّ وَبَرْدٍ مُبِيحَيْنِ لِلتَّيَمُّمِ، وَنَحْوِ سِكِّينٍ لِذَبْحِ شَاةٍ وَإِنْ جَازَ لِمَالِكِهَا تَرْكُهَا، وَإِنْ مَاتَتْ وَمَعَ الْوُجُوبِ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْبَذْلُ مَجَّانًا، بَلْ لَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ إنْ عَقَدَ بِهَا وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ فَهِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ، وَإِلَّا فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَفِي جَعْلِ ذَلِكَ مِنْ الْعَارِيَّةِ تَسَمُّحٌ نَظَرًا لِلَفْظِ وَقَدْ تُكْرَهُ، وَسَيَأْتِي قَالُوا وَقَدْ تَحُومُ كَمَا فِي إعَارَةِ الْجَوَارِي لِنَحْوِ الْوَطْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ مَعَ الْحُرْمَةِ لَا إعَارَةَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِحُرْمَةِ الْعَقْدِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلِاخْتِصَاصِ فَيُعِيرُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفَ بِإِذْنِ النَّاظِرِ وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَوْ مُدَّةً، وَلَا يُعِيرُ مَنْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ فِيهِمَا، أَوْ صَحَّحَ شَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ صِحَّةَ الْعَارِيَّةِ. وَتَصِحُّ إعَارَةُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَإِعَارَةُ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَلَوْ مَنْدُوبَيْنِ، وَتَصِحُّ إعَارَةُ الْفَقِيهِ خَلْوَتَهُ وَلَوْ لِغَيْرِ أَهْلِ شَرْطِهَا، وَإِنْ حَرُمَ مَكَثَ الْمُسْتَعِيرُ فِيهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَنُوزِعَ فِي الصِّحَّةِ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَلَا تَجُوزُ مُطْلَقًا إعَارَةُ الْإِمَامِ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ طِفْلِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَبْدًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ لِعِتْقِهِ.

فَرْعٌ: سَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ أَنَّ وَقْفَ الْأَتْرَاكِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحِيحٌ، بِحَسَبِ اتِّبَاعِ شُرُوطِهِمْ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُمْ حَالَةَ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ) أَيْ إجَارَةً صَحِيحَةً، وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِمَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَا مُسْتَعِيرٌ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ وَإِلَّا فَتَصِحُّ، وَلَا تَبْطُلُ عَارِيَّةُ الْأَوَّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا إنْ عَيَّنَ لَهُ الثَّانِي وَأَعَارَهُ. قَوْلُهُ: (يَكْفِي إلَخْ) وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُفِيدُ نَقْلَ الْيَدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ. قَوْلُهُ: (صِحَّةُ قَبُولِهِ التَّبَرُّعَ) عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ مُعَيَّنًا كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (الصَّبِيِّ) وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ، نَعَمْ يَصِحُّ إعَارَةُ السَّفِيهِ نَفْسَهُ لِمَا لَا يَقْصِدُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، كَغِنَاهُ وَإِعَارَةُ الصَّبِيِّ وَلَوْ مِنْ وَلِيِّهِ لِذَلِكَ كَخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ، وَلِوَلِيِّهِمَا أَنْ يَسْتَعِيرَ لَهُمَا إعَارَةً غَيْرَ مَضْمُونَةٍ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ نَحْوِ مُسْتَأْجِرٍ، وَتَصِحُّ إعَارَةُ الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. قَوْلُهُ: (مَنْ يَسْتَوْفِي) وَلَيْسَ أَثْقَلُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمُعِيرَ يَرْضَى بِرُكُوبِهِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ) أَيْ حَالَةَ الْعَقْدِ قَالَهُ شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَالْخَطِيبُ صِحَّتَهَا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ بِمُدَّةٍ يَتَأَتَّى فِيهَا الِانْتِفَاعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الِانْتِفَاعِ مُبَاحًا مَقْصُودًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْأَطْعِمَةِ) أَيْ لِلْأَكْلِ، فَإِنْ كَانَ لِيَعْمَلَ عَلَى مِثْلِهَا صَحَّ، وَمِثْلُهَا النَّقْدُ، فَتَصِحُّ إعَارَتُهُ لِلضَّرْبِ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي اسْتِهْلَاكِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ النَّفْعُ بِدُونِ

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُنْتَفَعًا بِهِ) أَيْ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ) وَالشَّمْعِ لِلْإِيقَادِ، وَكَذَا السِّرَاجُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَذَ كُوزًا مِنْ السَّقَّاءِ لِيَشْرَبَ مَجَّانًا، فَالْكُوزُ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ أَوْ عَادَتُهُ الْأُجْرَةَ فَهُوَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْكُوزِ مُشْتَرٍ لِلْمَاءِ. زَادَ السُّبْكِيُّ شِرَاءً فَاسِدًا وَإِيجَارًا فَاسِدًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا لِخِدْمَةِ إلَخْ) نَازَعَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ وَحَالِ الصِّحَّةِ. قَالَ: لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا بِحُضُورِ مَنْ تَنْدَفِعُ بِهِ الْخَلْوَةُ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>