للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الطَّلَاقِ (يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكْلِيفُ) ، فِي الْمُطَلِّقِ أَيْ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةً عَلَى الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، (إلَّا السَّكْرَانَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ طَلَاقُهُ، كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ قَالَ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ حَالَ السُّكْرِ، وَمُرَادُنَا هُنَا أَيْ حَيْثُ لَمْ يُسْتَثْنَ، أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِقَضَاءِ الْعِبَادَاتِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ انْتَهَى، وَانْتِفَاءُ تَكْلِيفِهِ لِانْتِفَاءِ الْفَهْمِ، الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَنُفُوذُ طَلَاقِهِ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ، بِالْأَسْبَابِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى

وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ وَهُوَ الْمُنْتَشِي لِبَقَاءِ عَقْلِهِ.

(وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِصَرِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ بِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ) ، وَالْكِنَايَةُ مَا تَحْتَمِلُ مَعْنَى الصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ،

ــ

[حاشية قليوبي]

فَائِدَةٌ: أَخَذَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ صِحَّةِ الْخُلْعِ هُنَا أَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ حَقَّهُ لِآخَرَ فِيهَا بِعِوَضٍ، وَيَمْلِكُ الْعِوَضَ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لَكِنْ لَوْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْوَظِيفَةُ بِأَنْ قَرَّرَ الْحَاكِمُ فِيهَا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ رَجَعَ عَلَى الْفَارِغِ بِمَا دَفَعَهُ وَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى ظَنِّ الْحُصُولِ، وَلَمْ تَحْصُلْ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّ لِمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ التَّقْرِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَعَنْ الْعَلَّامَةِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّ الْبَاذِلَ لَا يَرْجِعُ بِعِوَضِهِ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الرُّجُوعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ.

كِتَابُ الطَّلَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ لَفْظٌ جَاهِلِيٌّ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِهِ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ كَالْإِطْلَاقِ وَشَرْعًا حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَعَرَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِقَوْلِهِ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ وَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ فَوَاجِبٌ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى، أَوْ الْحَكَمَيْنِ كَمَا مَرَّ وَحَرَامٌ كَطَلَاقِ الْبِدْعَةِ وَمَنْدُوبٌ كَطَلَاقِ عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ مَنْ لَا يَمِيلُ إلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِأَمْرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِغَيْرِ تَعَنُّتٍ، وَمَكْرُوهٌ لِمَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ بِمَنْ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُؤْنَتِهَا لِعَدَمِ مَيْلِهِ إلَيْهَا مَيْلًا كَامِلًا.

تَنْبِيهٌ: مِنْ الْمَنْدُوبِ طَلَاقُ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا، لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ عَدَمَ سُوءِ الْخُلُقِ مُحَالٌ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» أَيْ الْأَبْيَضِ الْجَنَاحَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.

قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ) أَيْ وَلَوْ بِتَعْلِيقِ التَّكْلِيفِ فِي الْمُطْلَقِ فَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ الْخَمْسَةِ وَبَاقِيهَا الزَّوْجَةُ وَالصِّيغَةُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقَصْدُ وَسَتَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (بِأَمْرٍ جَدِيدٍ) وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ فِي الْمَآلِ لَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُكَلَّفِ.

قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْفَهْمِ) لِوُصُولٍ إلَى حَالَةٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ التَّمْيِيزِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الَّذِي اخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ، وَمَرْجِعُهُ فِيهِ الْعُرْفُ وَهَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَدِّي أَوْ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُسْكِرِ لِأَنَّهُ هُنَا مُؤَاخَذٌ مُطْلَقًا لِتَعَدِّيهِ بِمَا أَزَالَ عَقْلَهُ، مِنْ دَوَاءٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَوْ بِإِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ نَحْوِ شَاهِقٍ.

قَوْلُهُ: (وَنُفُوذُ طَلَاقِهِ) وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحِلِّهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ قَبِيلِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ.

قَوْلُهُ: (بِالْأَسْبَابِ) كَالتَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَمْيِيزٌ وَلَا تَكْلِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَأَجَابَ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْجَوَابِ فَإِنَّ الْخِطَابَ وَاقِعٌ حَالَةَ الصَّحْوِ قَبْلَ وَقْتِ السُّكْرِ لَا فِي حَالَتِهِ فَإِنْ قِيلَ الْمُخَاطَبُ بِشَيْءٍ قَبْلَ فِعْلِهِ مُخَاطَبٌ بِهِ حَالَ فِعْلِهِ قُلْنَا إنْ دَامَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ النَّائِمِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الْجَوَابِ مِنْ أَصْلِهِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (الْمُنْتَشِي) بِنُونٍ فَوْقِيَّةٍ فَمُعْجَمَةٍ مِنْ النَّشَاةِ أَيْ الطَّرَبِ، وَهَذِهِ أَوَّلُ حَالَاتِهِ الثَّلَاثَةِ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَسْقُطَ كَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (بِصَرِيحِهِ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ حَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَلَا بُدَّ فِيهِ وَفِي الْكِنَايَةِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ لِإِيقَاعِهِ وَالْأَوْلَى لِإِرَادَتِهِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ اعْتِبَارِ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ.

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

ِ هُوَ تَصَرُّفُ مَمْلُوكٍ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ. قَوْلُهُ: (أَيْ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ) هَذَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْتَثْنِ أَنَّهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَمُرَادُنَا.

قَوْلُهُ: (بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ بِلَا نِيَّةِ الْإِيقَاعِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ، أَمَّا قَصْدُ اللَّفْظِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ سَبْقُ اللِّسَانِ، قَالُوا وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ قَصْدِ اللَّفْظِ مَعْنَاهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِيَخْرُجَ الْعَجَمِيُّ إذَا لُقِّنَ كَلِمَتَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ الْهَازِلُ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ لِمَعْنَاهُ وَيُرَدُّ، بِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ وَلَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِيقَاعَ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّرِيحِ كَمَا سَلَفَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ إنْ نَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>