للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ (تُغَلَّظُ يَمِينِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ) ، كَدَعْوَى دَمٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَإِيلَاءٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَوِصَايَةٍ وَوَكَالَةٍ (وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ) عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتِي دِرْهَمٍ فِضَّةً وَلَا تَغْلِيظَ فِيمَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْقَاضِي لِجُرْأَةٍ فِي الْحَالِفِ فَلَهُ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ التَّغْلِيظَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ، (وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي) كِتَابِ (اللِّعَانِ) بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ، وَمَكَانٍ كَعِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ فَيَأْتِي هُنَا وَالتَّغْلِيظُ بِهِمَا مُسْتَحَبٌّ وَكَذَا بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا كَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهِ كَفَى.

(وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ) إثْبَاتًا كَانَ أَوْ نَفْيًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ، (وَكَذَا فِعْلِ غَيْرِهِ) أَيْ عَلَى الْبَتِّ (إنْ كَانَ إثْبَاتًا) ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، (وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ أَبْرَأَنِي حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ) ، وَهُوَ حَلِفٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ (وَلَوْ قَالَ جَنَى عَبْدُكَ عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ، كَذَا فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ) ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ نَعَمْ تَكُونُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِمَحَلِّ لَوَثٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُقْسِمُ وَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ يَكُونَانِ عَلَيْهِمَا مَعًا كَمَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَنِكَاحِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا.

[فَصْلٌ تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ]

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَضَابِطِ الْحَالِفِ قَوْلُهُ: (تُغَلَّظُ يَمِينُ) نَدْبًا وَإِنْ أَسْقَطَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ فَهُوَ نَاكِلٌ، قَوْلُهُ: (فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ) وَلَيْسَ بِنَجَسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ، قَوْلُهُ: (كَدَعْوَى دَمٍ) أَيْ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ كَالْمَالِ، قَوْلُهُ: (وَعِتْقٍ) فَتُغَلَّظُ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَعَلَى السَّيِّدِ إنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ نِصَابًا وَفِي طَلَاقٍ، وَكَذَا فِي خُلْعٍ إنْ بَلَغَ عِوَضُهُ نِصَابًا مُطْلَقًا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِفِ مِنْهُمَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَةَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَيْهِمَا، قَوْلُهُ: (وَوِصَايَةٍ) كَأَنْ يَحْلِفَ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ وَصِيًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا، قَوْلُهُ: (وَوَكَالَةٍ) عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا وَلَوْ فِي دِرْهَمٍ، قَوْلُهُ: (عِشْرِينَ مِثْقَالًا إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنْ يُرَادَ بِالنِّصَابِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ النَّبَاتِ؛ لِأَنَّهَا وَغَيْرَهَا تُعْتَبَرُ بِمَا يُسَاوِي نِصَابِ النَّقْدِ الْمَذْكُورِ، وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ بِدَعْوَى الْخَصْمَيْنِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَالْآخَرُ تِسْعَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا مَثَلًا فَلَا تَغْلِيظَ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى النِّصَابِ.

تَنْبِيهٌ: دَعْوَى حَقِّ الْمَالِ كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ تَابِعَةٌ لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ التَّغْلِيظُ، وَكَذَا فِي النَّجَسِ إذَا رَأَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) أَيْ لَا بِجَمْعٍ وَتَكْرِيرِ أَلْفَاظٍ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ وَفِي الْكَافِرِ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (كَعِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ وَلَوْ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِلدَّعْوَى كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مَعَهُمَا) أَيْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ أَمَّا الْيَهُودِيُّ فَبِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَقِ وَالنَّصْرَانِيُّ فَبِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْمَجُوسِيُّ وَالْوَثَنِيُّ، فَبِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ وَيَجِبُ عَزْلُهُ.

قَالَ شَيْخُنَا وَمَحَلُّهُ فِي قَاضٍ لَا يَرَى مُقَلَّدُهُ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْقَاضِي التَّحْلِيفُ بِمَا ذُكِرَ نَعَمْ الْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي. قَوْلُهُ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَوُجِدَ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ زِيَادَةُ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّأْيِ الضَّعِيفِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ لَيْسَتْ تَوْقِيفِيَّةً.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُنْدَبُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ بِهِ، وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ، وَأَنْ يَعِظَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُنْدَبُ تَحْلِيفُهُ قَائِمًا.

قَوْلُهُ: (فِي فِعْلِهِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ فِعْلَ غَيْرِهِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ تَعْلِيقِ نَحْوَ طَلَاقٍ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَظُهُورِ عَيْبِ مَبِيعٍ وَمَا وَقَعَ مِنْهُ

ــ

[حاشية عميرة]

التَّفْرِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فَيَكُونُ مَنْشَأُ ذِكْرِهِ هُنَا سَقَمُ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا، فَجَعَلَ التَّفْرِيعَ عَلَى الضَّعِيفِ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ.

فَصْلٌ تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إلَخْ

قَوْلُ الْمَتْنِ: (تُغَلَّظُ يَمِينُ إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ فَشُرِعَ التَّغْلِيظُ مُبَالَغَةً اخْتَصَّ بِمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، قَوْلُهُ: (عِشْرِينَ مِثْقَالًا إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَيَّ نِصَابٍ حَتَّى مِنْ الْإِبِلِ مَثَلًا، قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ) بِخِلَافِ الْجَمْعِ لَا يَأْتِي هُنَا،

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَعْسُرُ) أَيْ وَبِدَلِيلِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ حَضْرَمِيًّا ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ أَرْضًا بِأَنَّ أَبَاهُ اغْتَصَبَهَا مِنْهُ، فَأَنْكَرَ الْكِنْدِيُّ فَقَالَ لَهُ الْحَضْرَمِيُّ: تَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّك مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَبَاك اغْتَصَبَهَا فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» .

فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَ فِي هَذَا عَلَى الْبَتِّ اعْتَدَّ بِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْإِحَاطَةَ بِهِ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ هَذَا النَّفْيَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ كَانَ نَفْيًا مَحْصُورٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ وَيَمْتَنِعُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ إذَا تَعَرَّضَ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُدَّعَى بِهِ بَلْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي إلَّا بِذِكْرِ ذَلِكَ بَقِيَ شَيْءٌ لَوْ عَلَّقَ بِأَمْرٍ طَائِرٍ مَثَلًا، وَطَلَبَ يَمِينَهُ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِعْلُهُ، وَلَا فِعْلُ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ لِتَحَقُّقِ شَيْءٍ فَيَحْلِفُ إنَّ هَذَا الطَّائِرَ غُرَابٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَبْرَأَنِي) أَيْ وَأَنْتَ تَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>