للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا كَفَّارَةُ ظِهَارٍ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا أَتَى بِهِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ عَمَّا عَلَيْهِ، وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ الذِّمِّيِّ فِي الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِصِحَّتِهَا مِنْهُ وَنِيَّتُهُ لِلتَّمْيِيزِ دُونَ التَّقَرُّبِ، وَيُمْكِنُ مِلْكُهُ لِلرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ كَأَنْ يَعْلَمَ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ مُوَرِّثِهِ فَيَنْتَقِلَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِتَمَحُّضِهِ قُرْبَةً وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى الْإِطْعَامِ بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، بِالْإِسْلَامِ فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَتْرُكَ الْوَطْءَ أَوْ تَسْلُكَ طَرِيقَ حِلِّهِ مِنْ الصَّوْمِ بِأَنْ تُسْلِمَ، وَتَأْتِيَ بِهِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: حَيْثُ لَمْ تَمْلِكْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً إمَّا أَنْ تَتْرُكَ الْوَطْءَ، أَوْ تَسْلُكَ طَرِيقَ حِلِّهِ مِنْ إعْتَاقِ الْمُؤْمِنَةِ، بِأَنْ تُسْلِمَ فَتَمْلِكَهَا وَتُعْتِقَهَا.

(وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) ثَلَاثٌ إحْدَاهَا (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) قَالَ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣] الْآيَةَ، وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُطْلَقَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الثَّانِي قِيَاسًا بِجَامِعِ حُرْمَةِ سَبَبَيْهِمَا مِنْ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ (بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ) لِيَقُومَ بِكِفَايَتِهِ فَيَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَاتِ وَوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ فَيَأْتِيَ بِهَا تَكْمِيلًا لِحَالِهِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْعِتْقِ، وَالْعَاجِزُ عَنْ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ، لَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ بِعِتْقِهِ مَقْصُودُ الْعِتْقِ فَلَا يُجْزِئُ، وَفَرَّعَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَا بَيَّنَهُ إجْزَاءً وَمَنْعًا بِقَوْلِهِ (فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ وَأَقْرَعُ وَأَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ) بِأَنْ يَكُونَ عَرَجُهُ غَيْرَ شَدِيدٍ (وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ) يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ (وَأَخْشَمُ وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَ) فَاقِدُ (أُذُنَيْهِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا تُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ (لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ، أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ) أُصْبُعٍ.

ــ

[حاشية قليوبي]

فِي الْحَجِّ مِنْ نَحْوِ التَّصَدُّقِ بِلُقْمَةٍ، كَمَنْ قَتَلَ نَحْوَ قَمْلَةٍ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ لَا كَفَّارَةٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَأَخْطَأَ) أَوْ عَيَّنَ عَنْ كَفَّارَةٍ فَبَانَ عَدَمُهَا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ لِغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُجْزِئْهُ) وَتَقَعُ نَفْلًا لَهُ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْإِطْعَامِ بِشَرْطِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَفَارَقَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ هُنَا صِحَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ فِي مِثْلِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْمَانِعِ الشَّامِلِ، لِمَا عَلَيْهِ قَالَهُ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (الذِّمِّيِّ) وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ وَيَجْزِيهِ إخْرَاجُهَا حَالَ الرِّدَّةِ فَلَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَيُمْكِنُ مِلْكُهُ لِلرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ إلَخْ) . أَوْصَلَ الْخَطِيبُ كَالتَّحْرِيرِ حُصُولَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرِ إلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ صُورَةً.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْتَقِلُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عَجْزٌ حِسِّيٌّ كَمَرَضٍ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَسَلَّمَ إلَخْ) وَيُمْكِنُ الْإِعْتَاقُ بِالْبَيْعِ الضِّمْنِيِّ وَفِي الشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْإِطْعَامِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ بِالْإِسْلَامِ، فَيُقَالُ لَهُ اُتْرُكْ الْوَطْءَ، أَوْ أَسْلِمْ وَأَعْتِقْ، أَوْ صُمْ.

قَوْلُهُ: (كَفَّارَةُ الظِّهَارِ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَشَمِلَ كَفَّارَةَ الْجِمَاعِ وَكَذَا الْقَتْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إطْعَامٌ وَلِيَسْلَمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةٍ) وَلَوْ تَبَعًا، أَوْ بِالدَّارِ وَالْمُرَادُ الْمُسْلِمَةُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْإِيمَانِ تَبَعًا لِلْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا) أَيْ لَا لَفْظًا مِنْ بَابِ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ جَامِعٍ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْأُصُولِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَتْلِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ إذْ الْآيَةُ فِي الْخَطَإِ وَهُوَ لَا حُرْمَةَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْكَسْبِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ أَوْ الْمُرَادِفِ أَوْ الْمُغَايِرِ لِجَعْلِهِ لِنَقْصِ الْوَصْفِ كَالْجُنُونِ، وَمَا قَبْلَهُ لِنَقْصِ الذَّاتِ كَالْيَدِ، وَاعْتُبِرَ الْعَيْبُ هُنَا بِمَا ذُكِرَ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ بِمَا يَنْقُصُ اللَّحْمَ، وَفِي النِّكَاحِ بِمَا يُخِلُّ بِالْجِمَاعِ، وَفِي الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ بِمَا يُخِلُّ بِالْمَالِ نَظَرًا فِي كُلِّ بَابٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (لِيَقُومَ بِكِفَايَتِهِ) فِيهِ نَظَرٌ بِإِجْزَاءِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ التَّكْمِيلُ قَوْلُهُ: (صَغِيرٌ) وَلَوْ ابْنَ سَاعَةٍ، أَوْ يَوْمٍ وَالْبَالِغُ أَكْمَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ عَيَّنَهُ، وَلَوْ بَانَ فِيهِ بَعْدَ كِبَرِهِ عَيْبٌ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَأَعْوَرُ) عَوَرًا لَا يُخِلُّ وَفَارَقَ عَدَمَ إجْزَاءِ الْعَوْرَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ لَحْمَهَا بِتَرْكِ الْمَرْعَى، وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى أَيْ مُحَقَّقُ الْعَمَى، وَإِنْ أَبْصَرَ حَالًا؛ لِأَنَّ عَوْدَ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَمَى سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ) وَتُفْهَمُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَأَخْشَمُ) وَأَكْوَعُ أَيْ أَعْوَجُ الْكُوعِ وَأَوْكَعُ أَيْ لَئِيمٌ أَوْ كَاذِبٌ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الصِّفَاتِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: وَعَطْفُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِالْوَاوِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا لَمْ يَضُرَّ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

قَوْلُهُ: (لَا زَمِنٌ) وَمِنْهُ شَلَلُ الرِّجْلِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَسْبِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. فَيَكْفِي وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَجْبُوبِ، وَالْعِنِّينِ وَالْفَاسِقِ وَوَلَدِ الزِّنَى وَالْأَحْمَقِ، وَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَضَعِيفِ الْبَطْشِ، وَالرَّأْيِ وَالْأَخْرَقِ، وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ

ــ

[حاشية عميرة]

فِي الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ، أَوْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّهُ لَا يُطْعِمُ فِي الظِّهَارِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى يُسْلِمَ وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ الْكَفَّارَةِ

[خِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ]

قَوْلُهُ: (قِيَاسًا) أَيْ لَا لَفْظًا بِمَعْنَى أَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ اللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ مُقْتَضٍ لِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ فِي الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى جَامِعٍ كَمَا قِيلَ بِهِ وَمَنَعَ الْحَنَفِيُّ الْحَمْلَ لِلِاخْتِلَافِ فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَالْأَدِلَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَحَدِيثُ الْجَارِيَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» خِطَابًا لِسَيِّدِهَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مُؤَيِّدٌ لِمَا يَقُولُهُ إمَامُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قَوْلُهُ: (يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ) قِيلَ الْأَوَّلُ يُغْنِي عَنْ الثَّانِي قَوْلُهُ: (مَشْيٍ) الْأَحْسَنُ تَعْرِيفُهُ قَوْلُهُ: (وَأَخْشَمُ) هُوَ فَاقِدُ الشَّمِّ قَوْلُهُ: (وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ) حِسًّا، أَوْ مَعْنًى قَوْلُهُ: (خِنْصَرٍ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ خَصَرَ أَنَّ الْوَزْنَ فِنْعَلٌ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمُحْكَمِ ذَكَرَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>