للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَارِثُ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقُرْعَةَ تُؤَثِّرُ فِي الرِّقِّ كَالْعِتْقِ فَكَمَا يُعْتَقُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ يُرَقُّ إذَا خَرَجَتْ عَلَى عَدِيلِهِ وَدُفِعَ بِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي عَدِيلِهِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ.

فِصَلٌ: الطَّلَاقُ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ وَهُوَ ضَرَبَانِ أَحَدُهُمَا (طَلَاقٌ فِي حَيْضِ مَمْسُوسَةٍ) أَيْ مَوْطُوءَةٍ وَحُرْمَةُ هَذَا لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ وَبَقِيَّةُ الْحَيْضِ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْمُعَنَّى فِيهِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، (وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ) أَيْ سَأَلَتْ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ (لَمْ يَحْرُمْ) لِرِضَاهَا بِطُولِ الْمُدَّةِ، (وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ) لِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] (لَا أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لَا يَجُوزُ خُلْعُهُ فِي الْحَيْضِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ وُجُودَ حَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إنَّمَا يَبْذُلُ الْمَالَ لِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ وَيَحْرُمُ الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ كَالْحَيْضِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمَ شَامِلٌ لَهُ، (وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقُ مَعَ آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ) لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ الطُّهْرُ الْمُحْتَوِشُ بِدَمَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ وَالثَّانِي بِدْعِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ الِانْتِقَالُ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الْحَيْضِ فَلَا يَسْتَعْقِبُ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ (أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ) عَيَّنَهُ (لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيُّ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْءِ وَقِيلَ سُنِّيٌّ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ فَالْمُرَادُ بِالْمَذْهَبِ هُنَا الْمُعَبَّرُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا الرَّاجِحُ (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (طَلَاقٌ فِي طُهْرِ وَطِئَ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ) بِأَنْ لَا تَكُونَ صَغِيرَةً وَلَا آيِسَةً، (وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ) وَحُرْمَةٌ هَذَا لِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ، (فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) ، فَيَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ الْمُؤَدِّي

ــ

[حاشية قليوبي]

فَقَطْ مَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (وَالْوَرَعُ أَنْ تَتْرُكَ الْمِيرَاثَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ رُجُوعُهُ لِلثَّانِيَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا إرْثٌ فَتَتْرُكَهُ لِبَقَاءِ الْإِشْكَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُطَالِبُ الْوَرَثَةَ، وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِلْأُولَى فَوَاضِحٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا يَرْجِعُ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ مِنْ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ) وَلَا تُعَادُ الْقُرْعَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْمُرَادُ بِهِمَا. قَوْلُهُ: (الطَّلَاقُ) خَرَجَ الْفَسْخُ وَعِتْقُ الْمُسْتَفْرَشَةِ فَلَا تُوصَفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ) وَيَنْفُذُ. قَوْلُهُ: (طَلَاقٌ) وَلَوْ مِنْ وَكِيلٍ لَمْ يَنُصَّ لَهُ مُوَكِّلُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (فِي حَيْضِ) بِوُقُوعِ جَمِيعِ لَفْظِهِ فِيهِ أَيْ لَا مَعَ آخِرِهِ، فَلَوْ ابْتَدَأَهُ فِيهِ وَتَمَّ فِي الْآخِرِ لَمْ يَكُنْ بِدْعِيًّا فَلَا يَحْرُمُ، وَأَمَّا عَكْسُهُ بِأَنْ وَقَعَ لَفْظُ أَنْتِ فِي الطُّهْرِ وَلَفْظُ طَالِقٍ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَكُنْ بِدْعِيًّا تَشَوُّفًا لِلْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (مَوْطُوءَةٍ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ وَمِثْلُهُ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَيْضًا لَا رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ) أَيْ إنْ كَانَ بِمَالِهَا وَسُؤَالِهَا وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يُبْذَلُ الْمَالُ) فَهُوَ لَيْسَ بِمَالِهَا وَإِلَّا جَازَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مَعَ آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ) أَوْ فِي آخِرِهِ أَوْ عِنْدَ آخِرِهِ، فَسُنِّيٌّ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ بِدْعِيٌّ وَكَذَا يُقَالُ فِي الطُّهْرِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ، فَهُوَ سُنِّيٌّ أَيْضًا قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (عَيْنُهُ) هُوَ قَيْدٌ لِمَعْرِفَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَهُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى طُهْرٍ يَلِي التَّعْلِيقَ وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الطُّهْرِ الَّذِي قَبْلَ مَوْتِهَا كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ. قَوْلُهُ: (فَالْمُرَادُ بِالْمَذْهَبِ) اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ.

قَوْلُهُ: (وَطِئَ فِيهِ) وَفِي الدُّبُرِ وَاسْتِدْخَالِ الْمَاءِ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَنْ تَكُونَ الْبَقِيَّةُ إلَخْ) فِيهِ إبْهَامٌ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَالْوَرَعُ أَنْ تَتْرُكَ الْمِيرَاثَ إلَخْ) هُوَ يُوهِمُ أَنَّ لَهَا الْآنَ سَبِيلًا إلَى الْمِيرَاثِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْإِشْكَالَ مُسْتَمِرٌّ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ.

[فِصَلٌ الطَّلَاقُ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ]

فَصْلٌ قَوْلُهُ: (طَلَاقٌ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ) خَرَجَ بِالطَّلَاقِ الْفُسُوخُ وَعِتْقُ الْمُسْتَفْرَشَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا وَتَعْلِيلُهُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ) أَيْ وَيَنْفُذُ لِأَنَّهُ إزَالَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّغْلِيبِ، فَلَا يَمْنَعُهُ تَضَرُّرُ الْمَمْلُوكِ قَوْلُهُ: (مَمْسُوسَةٌ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ وَمِثْلُ ذَلِكَ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَلَيْسَ مِنْ الْبِدْعِيِّ مَا يَقَعُ فِي الْحَيْضِ مِنْ طَلَاقِ الْمَوْلَى وَالْحَكَمَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك، كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُعَلَّقُ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى وَقْتٍ لِصِفَةٍ، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا اسْتِحْبَابُ الْمُرَاجَعَةِ إذْ لَا إثْمَ نَعَمْ إنْ أَوْقَعَ الصِّفَةَ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ عَلِمَ وُقُوعَهَا فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ، فَالظَّاهِرُ التَّأْثِيمُ قَوْلُهُ: (لِرِضَاهَا بِطُولِ الْمُدَّةِ) رُدَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَنْكَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَسْتَفْصِلْ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْءِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَقُولُ هَذَا بِتَحْرِيمِ طَلَاقِ الْمَمْسُوسَةِ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ الظَّاهِرُ لَا. قَوْلُهُ: (وَحُرْمَةُ هَذَا إلَخْ) اسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا.

قَوْلُهُ: (فَطَلَّقَهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ كَمَا يُفْهِمُهُ الْفَاءُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>