للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْبَيْعِ

هُوَ كَقَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا، فَيَقُولُ اشْتَرَيْته بِهِ فَيَتَحَقَّقُ بِالْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَهُمَا شُرُوطٌ تَأْتِي وَالصِّيغَةُ الَّتِي بِهَا يَعْقِدُ، وَبَدَأَ بِهَا كَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالْغَزَالِيِّ عَنْ الثَّلَاثَةِ

ــ

[حاشية قليوبي]

كِتَابُ الْبَيْعِ

أَخَّرَهُ عَنْ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَلِأَنَّ الِاضْطِرَارَ إلَيْهَا أَكْثَرُ، وَلِقِلَّةِ أَفْرَادِ فَاعِلِهِ، وَلَفْظُهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ فَلِذَا أَفْرَدَهُ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِمَا فِيهِ مُقَابَلَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي ثُمَّ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ الَّذِي يُسَمَّى مَنْ يَأْتِي بِهِ بَائِعًا فَيُعْرَفُ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُقَابِلُهُ الشِّرَاءُ الَّذِي هُوَ الشِّقُّ الْآخَرُ الَّذِي يُسَمَّى مَنْ يَأْتِي بِهِ مُشْتَرِيًا، وَيُعْرَفُ بِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ بِعِوَضٍ. كَذَلِكَ وَيَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَكْسِهِ اعْتِبَارًا. وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشِّقَّيْنِ مَعًا بِمَعْنَى الْعَلَقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الشِّقَّيْنِ الَّتِي تُرَدُّ عَلَيْهَا الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ، فَيُقَالُ لَهُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ كَالِاخْتِصَاصِ وَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صِيغَةً كَالْمُعَاطَاةِ، وَخَرَجَ بِوَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ السَّلَامِ وَشَرْعًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْعَقْدُ فِي التَّعْرِيضِ جِنْسٌ وَشَأْنُهُ الْإِدْخَالُ، لَكِنْ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَصْلِهِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ يَخْرُجُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا دَخَلَ فِي عُمُومِ الْآخَرِ. وَلِذَلِكَ قَالُوا خَرَجَ بِالْعَقْدِ الْمُعَاطَاةُ وَبِالْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ الْهَدِيَّةِ، وَبِالْمَالِيَّةِ نَحْوُ النِّكَاحِ وَبِإِفَادَةِ مِلْكِ الْعَيْنِ الْإِجَارَةُ وَبِغَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْقَرْضُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ بَيْعُ نَحْوِ حَقِّ الْمَمَرِّ وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّأْبِيدِ فِيهِ لِإِخْرَاجِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا وَإِخْرَاجُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِقَيْدَيْنِ غَيْرُ مَعِيبٍ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ أَوْلَى مِنْ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لِمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ الْبَيْعُ مُنْحَصِرٌ فِي خَمْسَةِ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ، وَالثَّانِي فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ، وَالثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَالرَّابِعُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْخَامِسُ فِي التَّحَالُفِ وَمُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ، ثُمَّ التِّجَارَةُ عَلَى الرَّاجِحِ.

قَوْلُهُ: (هُوَ) أَيْ الْبَيْعُ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمُرَكَّبِ كَمَا مَرَّ وَعَرَّفَهُ بِالْمِثَالِ دُونَ الْحَدِّ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ. وَالْإِشَارَةُ كَالْقَوْلِ وَغَيْرُ لَفْظِ الْبَيْعِ مِثْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِعْتُك) فِيهِ الْإِسْنَادُ إلَى جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَكْفِي الْإِسْنَادُ إلَى جُزْئِهِ كَرَأْسِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْجُمْلَةُ. وَمَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ إلَى الصِّحَّةِ فِي النَّفْسِ وَالْعَيْنِ مَعَ إرَادَةِ الْجُمْلَةِ وَشَيْخُنَا زي إلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ فِي نَحْوِ الْيَدِ مَعَ الْإِرَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَرَاجِعْهُ. وَلَا يَكْفِي قَصْدُ خِطَابِ غَيْرِ الْعَاقِدِ وَلَا الْإِشَارَةُ لِغَيْرِهِ وَلَا قَصْدُ غَيْرِهِ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ وَلَا الْإِسْنَادُ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَبِعْتُ مُوَكِّلَك وَلَا بَاعَك اللَّهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعِتْقِ، نَعَمْ هُوَ كِنَايَةٌ هُنَا وَيَكْفِي عَنْ الْخِطَابِ اسْمُ الْإِشَارَةِ كَهَذَا أَوْ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ كَالِاسْمِ الظَّاهِرِ كَزَيْدٍ الْعَقْدُ مَعَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْخِطَابُ فِي بَيْعِ مَالِهِ لِطِفْلِهِ وَعَكْسِهِ وَلَا فِي الْبَيْعِ مَعَ الْوَاسِطَةِ، بَلْ لَا يَصِحُّ الْخِطَابُ فِيهِمَا، وَيَكْفِي صِيغَةُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَوْ قَبْلَ عِلْمِ الْآخَرِ أَيْ وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْعَامِّيِّ كَفَتْحِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِبْدَالِ الْكَافِ هَمْزَةً. قَوْلُهُ: (اشْتَرَيْته بِهِ) فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاغْتَفَرَ الْخَطِيبُ عَدَمَ ذِكْرِهِمَا مِنْ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (فَيَتَحَقَّقُ) يُفِيدُ اعْتِمَادُهُ أَنَّهَا أَرْكَانٌ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا شُرُوطٌ إلَخْ)

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الْبَيْعِ]

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَهَمُّ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ النُّورِيُّ الْمَحَلِّيُّ: وَلِأَنَّ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِالصِّيغَةِ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (شَرْطُهُ الْإِيجَابُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِيُوَافِقَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ جَعْلِهَا رُكْنًا، وَالْإِيجَابُ مِنْ أَوْجَبَ بِمَعْنَى أَوْقَعَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: ٣٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>