بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ فَقَالَ: (شَرْطُهُ الْإِيجَابُ كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك، وَالْقَبُولُ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِدُونِهِمَا لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَالرِّضَا خَفِيٌّ، فَاعْتُبِرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ فَلَا بَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ، وَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ بِهَا أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِهَا فِي الْمُحَقَّرِ كَرِطْلِ خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ. وَقِيلَ: فِي كُلِّ مَا يُعَدُّ فِيهِ بَيْعًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي) عَلَى لَفْظِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ، وَمَنَعَ الْإِمَامُ تَقَدُّمَ قَبِلْت، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعُ مِثْلُهُ وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ إلَى اللَّفْظِ.
(وَلَوْ قَالَ بِعْنِي، فَقَالَ بِعْتُك انْعَقَدَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِدَلَالَةِ بِعْنِي عَلَى
ــ
[حاشية قليوبي]
أَيْ فَذِكْرُ شُرُوطِهِمَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُمَا وَإِنَّمَا غَيَّرَ شَرْطَيْنِ بَعْدَ اعْتِبَارِ شَرْطٍ فِي شَرْطٍ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَصَالَةً فَسُكُوتُهُ عَنْهُمَا لِلْعِلْمِ بِوُجُودِهِمَا ضَرُورَةً. قَوْلُهُ: (لِلْخِلَافِ فِيهَا) أَوْ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي تَسْمِيَتِهِ عَاقِدًا. قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ) أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ. وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَى الْفَقِيهِ فِي التَّعْبِيرِ أَوْ قُلْنَا: إنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رُكْنًا لِمَا قِيلَ بِصِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ عِنْدَ قَائِلِهِ مَرْدُودٌ. قَوْلُهُ: (عَنْ الثَّلَاثَةِ) وَهِيَ سِتَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يَعُدُّوا الزَّمَانَ رُكْنًا وَلَا الْمَكَانَ لِعُمُومِهِمَا، وَإِنَّمَا عُدَّ الزَّمَنُ فِي نَحْوِ الصَّوْمِ لِعَدَمِ وُجُودِ صُورَتِهِ فِي الْخَارِجِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَمَلَّكْتُك) أَيْ وَمِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالصَّرَاحَةِ أَعْطَيْتُك وَأَعْطِنِي كَاشْتَرِ مِنِّي. قَوْلُهُ: (وَقَبِلْت) وَمِثْلُهُ رَضِيت وَفَعَلْت وَأَحْبَبْت وَنَعَمْ كَذَلِكَ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ إنْ وَقَعَتْ جَوَابًا لِصَرِيحٍ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ سَوَاءٌ فِي الْمُتَوَسِّطِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَسِّطِ أَهْلِيَّةُ الْبَيْعِ وَلَا نِيَّتُهُ فِي الْكِنَايَةِ وَلَا صِحَّةُ تَمَلُّكِهِ لِلْمَبِيعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ اللَّفْظِ) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى هُوَ بَاطِنًا. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ كَاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا بَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ) بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ صِيغَةٌ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَعَمُّ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْعَقْدَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا. وَيَحْرُمُ تَعَاطِي ذَلِكَ الْعَقْدِ إنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ كَتَعْلِيمٍ وَمُلَاعَبَةِ زَوْجَتِهِ بِقَوْلِهِ: بِعْتُك نَفْسَك مَثَلًا. وَحَيْثُ حُرِّمَ وَجَبَتْ التَّوْبَةُ مِنْهُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُكَفِّرٌ فَهُوَ صَغِيرَةٌ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: (وَيَرُدُّ كُلَّ) أَيْ وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ مِثْلَهُ حَيْثُ عُلِمَ الْحَالُ وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ فَلَا مُطَالَبَةَ فِي الْآخِرَةِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِضًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ قِيمَةِ مَتَاعِهِ مِنْ بَابِ الظَّفْرِ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَقَدُّمٌ إلَخْ) أَيْ إلَّا بِنَعَمْ وَنَحْوِهَا
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك) صَرَاحَةُ هَذَا تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَفَارَقَ مَلَّكْتُك وَأَدْخَلْته فِي مِلْكِك بِاحْتِمَالِ الثَّانِي الْإِدْخَالَ فِي مَكَان مَمْلُوكٍ لَهُ، وَمِنْ الصَّرِيحِ اشْتَرِ مِنِّي كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَمِنْهَا شَرَيْتُك وَوَلَّيْتُك وَأَشْرَكْتُك وَصَارَفْتُكَ وَعَوَّضْتُك. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُشْتَقَّاتُ كَبَائِعٍ وَمَبِيعٍ قِيَاسًا عَلَى طَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَمِنْهَا. نَعَمْ وَلَفْظُ الْهِبَةِ مَعَ الْعِوَضِ مَالَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَشَارَ بِكَافِ الْخِطَابِ فِي بِعْتُك وَمَلَّكْتُك إلَى أَنَّ إسْنَادَ الْبَيْعِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى آخَرَ كَمَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا بِعَشْرَةٍ مَثَلًا، فَيَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت، أَوْ أَسْنَدَهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مُوَكِّلَك فَقَبِلَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِذَلِكَ، بَلْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْوَكَالَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ: بِعْت هَذَا كَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ بِعْت. ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بِكَذَا فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ اشْتَرَيْت صَحَّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ كَذَا يَنْبَغِي فِي الصُّورَةِ أَنْ يَصِحَّ إذَا قَبِلَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ قَبُولِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ، قُلْنَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَوِّرَهَا يَقُولُ الْمُشْتَرِي يَعْنِي هَذَا بِعَشْرَةٍ فَإِنْ بِعْت هَذَا بِكَذَا، اسْتِفْهَامٌ لَا يُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ فِي حَقِّ وَلِيِّ الطِّفْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَكْفِي أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ: تَكْفِي النِّيَّةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِيَدُلَّ عَلَى الرِّضَا وَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَالْقَبُولُ كَاشْتَرَيْتُ مِنْ أَلْفَاظِهِ أَيْضًا ابْتَعْت وَاشْتَرَيْت وَصَارَفْتُ وَتَوَلَّيْت وَاشْتَرَكْت وَكَذَا بِعْت وَنَعَمْ وَلَفْظُ الْهِبَةِ، وَمِنْهَا فَعَلْت فِي جَوَابِ اشْتَرِ مِنِّي، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ قَالَ بِعْنِي، فَقَالَ: فَعَلْت، أَوْ نَعَمْ. فَكَقَوْلِهِ: بِعْتُك اهـ.
وَفِي الرَّافِعِيِّ فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ، فَقَالَ: نَعَمْ صَحَّ الْبَيْعُ، وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِنَا خِلَافُهُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَلْ تَبِعَ مَا أَشْعَرَ بِهِ ظَاهِرُ مَتْنِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ) مِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] . قَوْلُهُ: (مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ) يَرُدُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute