للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِحُرْمَةِ مُكْثِهَا فِيهِ وَيَخْرُجُ الْقَاضِي إلَيْهَا أَوْ يَبْعَثُ نَائِبًا (وَذِمِّيٌّ فِي بِيعَةٍ) لِلنَّصَارَى (وَكَنِيسَةٍ) لِلْيَهُودِ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِنَا الْمَسَاجِدَ (وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ فَيَحْضُرُهُ الْقَاضِي رِعَايَةً لِاعْتِقَادِهِمْ لِشُبْهَةِ الْكِتَابِ وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ، فَيُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ (لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَاعْتِقَادُهُمْ غَيْرُ مَرْعِيٍّ، فَيُلَاعِنُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ، أَوْ هُدْنَةٍ (وَجَمْعٍ) أَيْ وَيُغَلَّظُ بِحُضُورِ جَمْعٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَلَدِ.

(أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ) فَإِنَّ الزِّنَى يَثْبُتُ بِهَذَا الْعَدَدِ فَيَحْضُرُونَ إثْبَاتَهُ بِاللِّعَانِ (وَالتَّغْلِيظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَتَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِتَعْدِيدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَوَجْهُ الْفَرْضِ الِاتِّبَاعُ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَكَانِ طُرِدَا فِي الزَّمَانِ وَالْجَمْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِيهِمَا وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِهِ فِي الْجَمْعِ دُونَ الزَّمَانِ.

(وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا) بِأَنْ يُخَوِّفَهُمَا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَقُولَ لَهُمَا: عَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ (وَيُبَالِغُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ) مِنْهُمَا فِي الْوَعْظِ فَيَقُولُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ قَوْلَك عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ، تُوجِبُ اللَّعْنَةَ إنْ كُنْت كَاذِبًا، وَيَقُولُ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْغَضَبِ لَعَلَّهُمَا يَنْزَجِرَانِ وَيَتْرُكَانِ فَإِنْ أَبَيَا لَقَّنَهُمَا الْخَامِسَةَ.

يُسَنُّ أَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ لِيَرَاهُمَا النَّاسُ وَيَشْتَهِرَ أَمْرُهُمَا وَتَجْلِسَ هِيَ وَقْتَ لِعَانِهِ، وَهُوَ وَقْتَ لِعَانِهَا.

(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُلَاعِنِ (زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَسَوَاءٌ الذِّمِّيُّ وَالرَّقِيقُ وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَالسَّكْرَانُ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ عَلَى الْقَذْفِ تَأْدِيبًا وَلَا لِعَانَ

ــ

[حاشية قليوبي]

الْحَاكِمُ بَعْدَ فَرَاغِ لِعَانِ الرَّجُلِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. قَوْلُهُ: (لِحُرْمَةِ مُكْثِهَا) أَيْ لِاعْتِقَادِهَا الْحُرْمَةَ فَالْجُنُبُ الْمُسْلِمُ كَذَلِكَ وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِمَا مَنْ بِهِ نَحْوُ جِرَاحَةٍ نَضَّاحَةٍ، أَوْ عَلَى بَدَنِهِ مَثَلًا نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوَّةٍ، وَخَرَجَ الْمَرْأَةُ الْكَافِرَةُ وَلَوْ تَحْتَ مُسْلِمٍ وَلَوْ حَائِضًا، وَالْكَافِرُ الْجُنُبُ فَيَدْخُلَانِ الْمَسْجِدَ لِعَدَمِ مَا ذُكِرَ فِيهِمَا إلَّا دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

قَوْلُهُ: (وَذِمِّيٌّ) وَمِثْلُهُ الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ وَكَذَا الذِّمِّيَّةُ وَلَوْ تَحْتَ مُسْلِمٍ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ طَلَبَ الذِّمِّيُّ أُجِيبَ جَوَازًا لَا نَدْبًا. قَوْلُهُ: (بِيعَةٍ لِلنَّصَارَى وَكَنِيسَةٍ لِلْيَهُودِ) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْعُرْفُ الْآنَ بِعَكْسِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَيَحْضُرُهُ الْقَاضِي) وَكَذَا الْجَمْعُ الْمُتَقَدِّمُ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهَا صُوَرٌ مُحَرَّمَةٌ حُرِّمَ الْحُضُورُ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِأَهْلِهِ احْتِرَامٌ وَأَنَّ دُخُولَهُ مَعْصِيَةٌ. قَوْلُهُ (فَيُلَاعِنُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ) وَمِثْلُهُ نَحْوُ زِنْدِيقٍ وَدَهْرِيٍّ مِمَّنْ لَا يُعَظِّمُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ) قَالَ شَيْخُنَا وَفِي التَّصْوِيرِ نَظَرٌ إذْ لَا يُمْكِنُ مِنْ اتِّخَاذِهِ بَيْنَ نَارٍ عِنْدَنَا وَلَوْ اتَّخَذَهُ هُدِمَ وَلَا تَنْتَقِلُ مَعَهُ إلَى بِلَادِهِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ بَلَدِ الْمُلَاعِنِ إلَى غَيْرِهِ، لَا يَجُوزُ وَلَوْ لِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحُضُورُ الْأَمَاكِنِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ هُوَ فِيهَا وَقْتَ اللِّعَانِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ (فَإِنَّ الزِّنَى إلَخْ) يُفِيدُ اعْتِبَارَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَمِمَّنْ يَعْرِفُ لُغَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَعْظُهُمَا) بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ، وَيَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ وَرَائِهَا كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَيُبَالِغُ) أَيْ نَدْبًا فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى وَعْظُ.

قَوْلُهُ: (وَيَجْلِسُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَرَى الْآخَرَ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ وَخِلَافُهُ مَكْرُوهٌ إلَّا لِعُذْرٍ كَسَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ هُنَا.

تَنْبِيهٌ: يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ فِي الزَّوْجَةِ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الزِّنَى وَالزَّانِي سَوَاءٌ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَوْ قَبْلَ الْآخَرِ فَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِ الزَّانِي إذَا طَلَبَ قَبْلَهَا. نَعَمْ لَوْ ذَكَرَ بَعْضَ الزُّنَاةِ فِي لِعَانِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ مُطَالَبَتُهُ، وَلَهُ اللِّعَانُ أَيْضًا لِدَفْعِهِ وَهَكَذَا وَلَا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ لِأَكْثَرَ مِنْ زَوْجَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لِعَانٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اتَّحَدَ الزَّانِي سَوَاءٌ قَذَفَهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا وَيُرَتِّبُ اللِّعَانَ نَدْبًا فِي الْمُرَتَّبِ وَفِي الْمَعِيَّةِ يَبْدَأُ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ، أَوْ رِضًا مِنْهُنَّ أَوْ بِقُرْعَةٍ إنْ تَنَازَعْنَ.

قَوْلُهُ (زَوْجٌ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَخَرَجَ بِهِ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ: (وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ) مِنْهُمَا فَإِنْ كَمُلَا سَقَطَ التَّعْزِيرُ اكْتِفَاءً بِزَاجِرِ التَّكْلِيفِ.

ــ

[حاشية عميرة]

وَكِتَابِيٌّ لِيَشْمَلَ مَنْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ لَهَا حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا حُرْمَةٌ قَطُّ.

تَنْبِيهٌ: الْكَافِرَةُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَغَيْرُهُ إنْ رَضِيَ الزَّوْجُ فَأَفْهَمَ امْتِنَاعَ ذَلِكَ إذَا مَنَعَ مِنْهُ وَعَلَّلَ بِأَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ هَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي التَّكْمِلَةِ وَلَكِنَّ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ التَّغْلِيظَاتِ رَاجِعَةٌ لِنَظَرِ الْقَاضِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَكَانِ) فِيهِ أَيْضًا طَرِيقَةٌ بِالْقَطْعِ بِالِاسْتِحْبَابِ تُنْسَبُ لِابْنِ الْقَاصِّ لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ فَلِذَا تَرَكَهَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ: (قَائِمَيْنِ) الْأَوْضَحُ مِنْ قِيَامٍ

[شَرْطُ الْمُلَاعِنِ]

قَوْلُهُ: (زَوْجٌ) مِمَّا خَرَجَ بِهِ السَّيِّدُ فِي الْأَمَةِ، قَوْلُهُ (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) وَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَمِينٌ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَا اُشْتُرِطَ فِي الْحَالِفِ دُونَ الشَّاهِدِ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى كَوْنِهِ يَمِينًا وَلَيْسَ شَهَادَةً بِمَا فِي الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنِّي لَصَادِقٌ، وَبِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا أَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ، وَبِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى وَيُؤْتَى بِهِ فِي مَعْرِضِ الْحَضَرِيَّةِ وَيُلَاعِنُ الْمُلَاعِنُ لِنَفْسِهِ، وَالشَّخْصُ لَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَبِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الرَّجُلَ وَبِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُكَرَّرُ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجِ مَنْ لَهُ عُلْقَةُ النِّكَاحِ فَلَا يَرِدُ صِحَّةُ لِعَانِ الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>