أَفْضَلُ) وَكَذَا اتِّصَالُهَا بِيَوْمِ الْعِيدِ مُبَادَرَةً إلَى الْعِبَادَةِ
(وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ وَإِفْرَادُ السَّبْتِ) بِالصَّوْمِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
(وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ) وَعَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى حُمِلَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» وَاسْتِحْبَابُهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ مُرَادُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ.
(وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا وَلَا
ــ
[حاشية قليوبي]
صَامَهُ وَحُكْمًا إنْ أَفْطَرَهُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ يَقَعُ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ. (كَصِيَامِ الدَّهْرِ) أَيْ فَرْضًا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَتَتَابُعُهَا أَفْضَلُ) فَلَهُ تَفْرِيقُهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنْدَبُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَوَّالٍ إذَا لَمْ يَصُمْهَا فِيهِ، وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ هَذَا الصَّوْمِ الْمَذْكُورِ لَا يُقْضَى إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (إفْرَادُ الْجُمُعَةِ إلَخْ) وِفَاقًا لِأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَخِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (وَإِفْرَادُ السَّبْتِ) وَكَذَا إفْرَادُ الْأَحَدِ قِيَاسًا عَلَى السَّبْتِ لِكَوْنِ النَّصَارَى تُعَظِّمُهُ كَمَا تُعَظِّمُ الْيَهُودُ السَّبْتَ، وَخَرَجَ بِالْإِفْرَادِ نَفْسُ الصَّوْمِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَخَرَجَ بِهِ جَمْعُهَا أَوْ بَعْضِهَا مَعَ غَيْرِهَا أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْكَرَاهَةِ بِصَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْأَحَدِ، وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ وَحِكْمَةُ كَرَاهَةِ الْجُمُعَةِ الضَّعْفُ عَنْ أَعْمَالِهَا غَالِبًا. قَوْلُهُ: (فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ) مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا يُكْرَهُ الْإِفْرَادُ فِيهَا
قَوْلُهُ: (وَصَوْمُ الدَّهْرِ) فِيهِ إطْلَاقُ الدَّهْرِ عَلَى الزَّمَانِ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ عُرْفًا وَلُغَةً دَائِمًا أَوْ غَالِبًا. وَقِيلَ: الزَّمَانُ مُدَّةُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَحَرِّكَةِ وَالدَّهْرُ مُدَّةُ الْأَشْيَاءِ السَّاكِنَةِ. وَقِيلَ: الزَّمَانُ مُدَّةُ الْأَشْيَاءِ الْمَحْسُوسَةِ، وَالدَّهْرُ مُدَّةُ الْأَشْيَاءِ الْمَعْقُولَةِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (خَافَ ضَرَرًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُبِيحًا لِلتَّيَمُّمِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُ رَمَضَانَ مَعَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالضَّرَرِ هُنَا مَا دُونَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَوْتَ حَقٍّ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ كَابْنِ حَجَرٍ وَلَوْ مَنْدُوبًا. وَمُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ مَعَ فَوَاتِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ حُرْمَتُهُ تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ عَلَى الْمَنْدُوبِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مُجَرَّدِ الْخَوْفِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ فَيَحْرُمُ رَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُنْدَبُ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَافَقَ يَوْمُ فِطْرِهِ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ عَرَفَةَ فَفِطْرُهُ فِيهِ أَفْضَلُ لِيَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ تَنْبِيهٌ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ صِيَامُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَأَوَّلُهَا شَهْرُ ذِي الْقِعْدَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَأَفْضَلُهَا عَلَى الْأَصَحِّ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ رَجَبٌ ثُمَّ الْقَعْدَةُ وَالْحِجَّةُ. وَقِيلَ: بِتَقْدِيمِ الْحِجَّةِ ثُمَّ بَعْدَهَا شَعْبَانُ وَعَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الْأُوَلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَفْضَلِ.
فَرْعٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ وَقَعَ زِفَافٌ فِي أَيَّامِ صَوْمِ تَطَوُّعٍ مُعْتَادٍ نُدِبَ فِطْرُهَا.
فَرْعٌ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقُدْسِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَكُلُّ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ لِصَاحِبِهِ إلَّا الصَّوْمَ فِيهِمَا، وَقِيلَ: إنَّ الْخُصُومَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَعَلَّقُ عَلَى الْأَعْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّوْمُ فَيَتَكَفَّلُ اللَّهُ بِرِضَا الْخُصُومِ فِيهِ وَيَدْخُلُ الصَّائِمُ الْجَنَّةَ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ مَحْسُوسَةٌ يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا وَيَعْلَمُونَ الْجَزَاءَ عَلَيْهَا جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُ لَا رِيَاءَ فِيهِ بِذَاتِهِ. وَإِنَّمَا الرِّيَاءُ بِإِخْبَارِ صَاحِبِهِ بِنَحْوِ أَنَّهُ صَائِمٌ مَثَلًا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
. قَوْلُهُ: (فَلَهُ قَطْعُهُمَا) أَيْ وَلَا كَرَاهَةَ مَعَ الْعُذْرِ وَمِثْلُهُمَا سَائِرُ النَّوَافِلِ كَاعْتِكَافٍ وَقِرَاءَةٍ وَلَوْ فِي صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَوُضُوءٍ وَذِكْرٍ، وَلَوْ فِي صَلَاةٍ أَوْ عَقِبَهَا وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالنَّفْلِ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ سَوَاءٌ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ وَإِلَّا فِي تَجْهِيزِ مَيِّتٍ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ،
ــ
[حاشية عميرة]
تَعْوِيضِهِ. قَوْلُهُ: (بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَالَ لَا يَخْتَلِفُ بِنَقْصِهِ وَكَمَالِ الْعَشَرَةِ وَالْعَكْسُ
[إفْرَادُ الْجُمُعَةَ وإفراد السَّبْتِ بِالصَّوْمِ]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ) قِيلَ: لِأَنَّهُ يُضْعِفُ بِصَوْمِهِ عَنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَةِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فَنَهَى عَنْهُ نَحْوُ النَّهْيِ عَنْ الْعِيدَيْنِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لِئَلَّا يَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ، وَقِيلَ: لِئَلَّا يُبَالِغَ فِي تَعْظِيمِهِ كَالْيَهُودِ فِي السَّبْتِ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ فَوْتَ حَقٍّ) أَيْ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا لَكِنَّ تَفْوِيتَ الْوَاجِبِ حَرَامٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ مُجَرَّدِ الْخَوْفِ لَا الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَهُ قَطْعُهُمَا) أَيْ وَلَا يُثَابُ عَلَى الْمَاضِي