للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُمْ فِي السَّيْرِ وَالْأَخْلَاقِ.

(فَإِنْ أَنْكَرَ إرَادَةَ قَذْفٍ) فِي الْكِنَايَةِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا دَفْعًا لِلْحَدِّ، أَوْ تَحَرُّزًا مِنْ إتْمَامِ الْإِيذَاءِ (وَقَوْلُهُ) لِآخَرَ (يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ وَنَحْوَهُ) كَقَوْلِهِ أُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ (تَعْرِيضٌ لَيْسَ بِقَذْفٍ، وَإِنْ نَوَاهُ) لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَنْوِيُّ، وَلَا احْتِمَالَ لَهُ هُنَا وَمَا يُفْهَمُ وَيُتَخَيَّلُ مِنْهُ فَهُوَ أَثَرُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَقِيلَ: هُوَ قَذْفٌ إنْ نَوَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْفَهْمِ وَحُصُولِ الْإِيذَاءِ.

(وَقَوْلُهُ) لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ (زَنَيْتُ بِكِ إقْرَارٌ بِزِنًى) عَلَى نَفْسِهِ (وَقَذْفٌ) لِلْمُخَاطَبَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهَا لِزَوْجِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ زَنَيْتُ بِكَ فَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالزِّنَى، وَقَاذِفَةٌ لِلْمُخَاطَبِ، وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مُكْرَهًا، وَانْتِظَامِ الْكَلَامِ مَعَ ذَلِكَ.

(وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِكَ، أَوْ أَنْت أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ وَكَانِيَةٌ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ إثْبَاتَ الزِّنَى فَتَكُونَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مُقِرَّةً بِهِ وَقَاذِفَةً لِلزَّوْجِ، وَيَسْقُطُ بِإِقْرَارِهَا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَيُعَزَّرُ وَتَكُونُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَاذِفَةً فَقَطْ، وَالْمَعْنَى أَنْتَ زَانٍ وَزِنَاك أَكْثَرُ مِمَّا نَسَبْتنِي إلَيْهِ وَأَنْ تُرِيدَ نَفْيَ الزِّنَى أَيْ لَمْ يَطَأْنِي غَيْرُكَ وَوَطْؤُكَ بِنِكَاحٍ، فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ زَانٍ أَيْضًا، أَوْ أَزْنَى مِنِّي فَلَا تَكُونُ قَاذِفَةً وَتُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ ذَلِكَ بِيَمِينِهَا (فَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِهِ (زَنَيْتُ، وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ) بِالزِّنَى (وَقَاذِفَةٌ) لَهُ وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: يَا زَانِي فَقَالَ زَنَيْتُ بِكِ، أَوْ أَنْت أَزْنَى مِنِّي فَهِيَ قَاذِفَةٌ صَرِيحًا، وَهُوَ كَانَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ إلَى آخِرِهِ، فَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهَا: زَنَيْتُ وَأَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ مُقِرٌّ بِالزِّنَى وَقَاذِفٌ لَهَا عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: زَنَيْت مِنْكَ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ قَاذِفٌ وَهِيَ قَاذِفَةٌ فِي الْأُولَى مَعَ الْإِقْرَارِ فِيهِ بِالزِّنَى، وَكِنَايَةُ الثَّانِي فِي احْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى الزِّنَى، أَوْ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُهَا لِأَجْنَبِيٍّ: يَا زَانِي فَيَقُولُ: زَنَيْتُ بِكِ وَأَنْتِ أَزْنَى مِنِّي، وَلَوْ قَالَتْ ابْتِدَاءً: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَفِي كَوْنِهِ قَذْفًا وَجْهَانِ يَأْتِيَانِ فِي قَوْلِهِ لَهَا ابْتِدَاءً أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَنْكَرَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ يُحْمَلُ مِنْهُ عَلَى الْقَذْفِ، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَاعْتَمَدَ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْرِيَةُ فِيمَا عَلِمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحُدُودُ، وَكَانَ صَادِقًا تَحَرُّزًا مِنْ الْإِيذَاءِ.

قَوْلُهُ: (دَفْعًا لِلْحَدِّ) فِي قَذْفٍ يُحَدُّ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَرُّزًا) فِي قَذْفٍ لَا حَدَّ فِيهِ مِمَّا فِيهِ تَعْزِيرٌ قَوْلُهُ: (مِنْ إتْمَامِ الْإِيذَاءِ) أَيْ بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ الْمَسْبُوقِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِيذَاءِ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِقَذْفٍ) قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا، وَإِنْ نَوَاهُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ النِّيَّةَ إلَخْ) عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَ الْقَذْفِ فَصَرِيحٌ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ مَعَهُ فَكِنَايَةٌ، وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ) فِيهِ انْتِقَادٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ: (إقْرَارٌ بِزِنًى) أَيْ إنْ فَصَّلَ فِي إقْرَارِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الزِّنَى فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَقَذْفٌ لِلْمُخَاطَبَةِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا صُدِّقَ، وَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَرَأَى الْإِمَامُ) أَيْ مَا مَرَّ وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي وَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ مِنْهُ إلَى صُدُورِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (لِزَوْجَتِهِ) أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَقَاذِفَةً لِلزَّوْجِ) . نَعَمْ إنْ أَرَادَتْ زَنَى قَبْلَ نِكَاحِهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ مَثَلًا صُدِّقَتْ وَلَيْسَتْ قَاذِفَةً فَتُحَدُّ لِإِقْرَارِهَا وَتُعَزَّرُ لِإِيذَائِهِ، وَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ فَهِيَ قَاذِفَةٌ فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ.

قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ إلَخْ) وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا نَفْيَ الزِّنَى عَنْهُ وَعَنْهَا كَمَا يُقَالُ لِشَخْصٍ أَنْتَ سَرَقْت، فَيَقُولُ سَرَقْت مَعَك مَثَلًا وَمُرَادُهُ نَفْيُ السَّرِقَةِ عَنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ إلَخْ) وَلَوْ قَالَتْ ابْتِدَاءً فُلَانٌ زَانٍ، وَأَنْتَ أَزَنَى مِنْهُ، أَوْ فِي النَّاسِ زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزَنَى مِنْهُمْ فَصَرِيحٌ بِخِلَافِ النَّاسُ زُنَاةٌ، أَوْ أَهْلُ الْبَلَدِ زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزَنَى مِنْهُمْ، فَلَيْسَ قَذْفًا لِتَحَقُّقِ الْكَذِبِ فِيهِ وَكَذَا عَكْسُهُ.

قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ الصَّرَاحَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ) فَيَكُونَ قَذْفًا لَهُمَا فَيُحَدَّ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ عَالِمًا بِثُبُوتِ زِنَى فُلَانٍ الْمَذْكُورِ عُزِّرَ لَهُ وَحُدَّ لِلْمُخَاطَبِ قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

أَنْ لَا يَجِبَ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمَقْذُوفِ كَذَا قَالَاهُ هُنَا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَى التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِقَذْفٍ، وَإِنْ نَوَاهُ) أَيْ كَمَا أَنَّ التَّعْرِيضَ فِي الْخِطْبَةِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُرْمَةِ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ

قَوْلُهُ: (إقْرَارٌ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَصَّلٍ وَالتَّفْصِيلُ شَرْطٌ، قَوْلُهُ: (وَرَأَى الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَتِينٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ زَنَيْت مَعَ فُلَانٍ كَانَ قَاذِفًا لَهَا دُونَ فُلَانٍ. اهـ وَأَجَابَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ مِنْهُ إلَى صُدُورِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ وَلِذَا يُحَدُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَى، وَإِنْ احْتَمَلَ زِنَى الْعَيْنِ، وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وَقَالَ. نَعَمْ لَوْ أَوَّلَ إقْرَارَهُ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ لَمْ يَبْعُدْ الْقَبُولُ، إذْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ

قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ إلَخْ) . هَذَا الِاحْتِمَالُ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا هِيَ الزَّانِيَةُ دُونَهُ وَعَكْسُهُ، وَقَدْ خَصَّصَ الشَّارِحُ هَذَا الْعَكْسَ بِالثَّانِيَةِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ بَلْ الِاحْتِمَالَاتُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى الْأَوَّلِ يَكُونُ جَارِيًا فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِصَنِيعِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُرِيدَ نَفْيَ الزِّنَى) أَيْ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدْ يُقْصَدُ فِي التَّخَاطُبِ لِلنَّفْيِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>