للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُؤَنُ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ بِالصَّوْمِ، لَا يَكْسِرُهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يَتَزَوَّجُ (فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ) إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ. (كُرِهَ) لَهُ (إنْ فَقَدَ الْأُهْبَةَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ أَمْ لَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْقِدْ الْأُهْبَةَ أَيْ وَجَدَهَا وَلَيْسَ بِهِ عِلَّةٌ (فَلَا) يُكْرَهُ لَهُ (لَكِنَّ الْعِبَادَةَ أَفْضَلُ) لَهُ مِنْهُ أَيْ فَاضِلَةٌ عَلَيْهِ (قُلْت فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْهُ فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ لَهُ) مِنْ تَرْكِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ كَيْ لَا تُفْضِيَ بِهِ الْبَطَالَةُ إلَى الْفَوَاحِشِ، وَالثَّانِي تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، (فَإِنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ كُرِهَ) لَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ مَعَ الْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا أَصْلِهَا، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي الْكَرَاهَةِ فِيهَا

(وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ) ، بِخِلَافِ الْفَاسِقَةِ (بِكْرٌ) إلَّا لِعُذْرٍ كَأَنْ تَضْعُفَ آلَتُهُ عَنْ افْتِضَاضِهَا، (نَسِيبَةٌ) بِخِلَافِ بِنْتِ الزِّنَا (لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً) ، بِأَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ قَرَابَةً بَعِيدَةً لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ فِي الْقَرِيبَةِ، فَيَجِيءُ الْوَلَدُ نَحِيفًا، وَالْبَعِيدَةُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ لَيْسَتْ غَيْرُ كَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ

(وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا سُنَّ نَظَرُهُ إلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ) لَهَا (وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ) فِيهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ «الْمُغِيرَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يَحْصُلَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ،

فَقَوْلُهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ) أَيْ فَاضِلٌ وَاسْتَغْنَى بِمَا قَبْلَهُ عَنْهُ وَحَيْثُ كَانَ النِّكَاحُ مَطْلُوبًا وَقَدَّمَهُ عَلَى الْحَجِّ وَمَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَمْ يَعْصِ إنْ كَانَ خَائِفَ الْعَنَتِ، وَإِلَّا عَصَى كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ خَرَجَ بِمَا يَصْرِفُهُ فِي النِّكَاحِ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ، فَلَا إثْمَ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهَا فَيَأْثَمُ مُطْلَقًا عَلَى نَظِيرِ مَا فِي الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعْنِينٍ) أَيْ دَائِمٍ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ عَنَّ الشَّيْءَ عَجَزَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) أَيْ بِحَسَبِ اطِّلَاعِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ فِيهِمَا.

تَنْبِيهٌ: التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الرَّجُلِ يَجْرِي فِي الْمَرْأَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ نَعَمْ لَوْ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهَا الْفُجْرَةُ إلَّا بِهِ وَجَبَ وَاحْتِيَاجُهَا لِلنَّفَقَةِ نَظِيرُ وُجُودِ الْأُهْبَةِ فِي الرَّجُلِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْفَاسِقَةِ) . أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّيِّنَةِ مَنْ فِيهَا صِفَةُ الْعَدَالَةِ لَا الْعِفَّةِ وَحْدَهَا بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ نِكَاحَ كَافِرَةٍ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ تَارِكَةٍ لِلصَّلَاةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (بِكْرٌ) أَيْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَوْ ثَيِّبًا وَغَيْرُ الْبِكْرِ الْمَدْخُولُ بِهَا، وَلَوْ بِكْرًا. قَوْلُهُ: (كَأَنْ تَضْعُفَ إلَخْ) أَوْ لَهُ عِيَالٌ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (نَسِيبَةٍ) أَيْ طَيِّبَةِ الْأَصْلِ مَعْرُوفَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَفِيعَةً، فَخَرَجَ بِنْتُ الْفَاسِقِ وَاللَّقِيطَةُ، وَبِنْتُ اللَّقِيطِ، وَمَنْ لَا يُعْرَفُ لَهَا أَبٌ، قَالَ شَيْخُنَا: بَلْ يُكْرَهُ فِي ذَلِكَ، فَذِكْرُ بِنْتِ الزِّنَا لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ جَمِيلَةً بِحَسَبِ طَبْعِهِ، وَلُودًا بِاعْتِبَارِ أَقَارِبِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا غَنِيَّةً كَثِيرَةَ الْمَالِ، وَأَمَّا حَدِيثُ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» ، فَهُوَ إخْبَارٌ عَمَّا يَرْغَبُ النَّاسُ فِيهِ بِحَسَبِ طِبَاعِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ فِي شَيْءٍ إلَّا لِذَاتِ الدِّينِ وَمَعْنَى تَرِبَتْ افْتَقَرَتْ فَكَأَنَّهَا الْتَصَقَتْ بِالتُّرَابِ، أَوْ أَنَّ الَّذِي فِيهَا تُرَابٌ إنْ لَمْ تَظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، وَمَا قِيلَ إنَّ مَعْنَى تَرِبَتْ اسْتَغْنَتْ بِأَنْ صَارَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَالِ لِكَثْرَتِهِ كَالتُّرَابِ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ افْتَقَرَتْ لَقَالَ أَتْرَبَتْ فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْحَدِيثِ إلَّا إنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى: إنْ فَعَلْت أَيْ ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْبَعِيدَةُ) مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَكَانِ أَنَّ النَّسَبَ مَعْرُوفٌ، وَمَا وَرَدَ عَنْ النَّصِّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ مِنْ الْعَشِيرَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ.

تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَا طُلِبَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ يُطْلَبُ فِي عَكْسِهِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَنْسَبُ) أَيْ لِاتِّفَاقِ الصِّفَاتِ فِي الْإِفْرَادِ وَالِاسْمِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (قَصَدَ نِكَاحَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا مُفْرَدَةً أَوْ مَعَ غَيْرِهَا فَلَوْ قَصَدَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسْوَةٍ فَلَهُ نَظَرُهُنَّ دَفْعَةً، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ نَعَمْ تَقْيِيدُهُ النَّظَرَ بِكَوْنِهِ دُفْعَةً فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (سُنَّ نَظَرُهُ) أَيْ إنْ رَجَا إجَابَةً وَعَلِمَ أَنَّهَا خَالِيَةٌ عَمَّا تَحْرُمُ بِهِ الْخِطْبَةُ وَلَا حُرْمَةَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي، وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ اللَّمْسُ فَيَحْرُمُ، وَلَوْ لِأَعْمَى، أَوْ تَعَذَّرَ النَّظَرُ. قَوْلُهُ: (إلَيْهَا) لَا إلَى أُخْتِهَا وَلَوْ مُزَوَّجَةً وَلَا لِنَحْوِ أَخِيهَا إذَا تَعَذَّرَ نَظَرُهُ، كَالْأَعْمَى، وَكَّلَ نَحْوَ امْرَأَةٍ تَنْظُرُ لَهُ نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ نَظَرُهُ لَهَا وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ أَنَّ أَخَاهَا مِثْلُهَا جَازَ لَهُ نَظَرُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ النَّظَرُ لَهُ مَعَ شَهْوَةٍ، وَإِلَّا فَلَهُ النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ الْآتِي.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ) ، كَانَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرَكَ تَأْوِيلَ هَذَا بِالْفَاضِلِ إحَالَةً عَلَى مَا سَبَقَ قَرِيبًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَعْنِينٍ) قِيلَ الْأَوْلَى تَقْيِيدُهُ بِالدَّوَامِ لِيَخْرُجَ مَنْ يَعِنُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَالتَّعْنِينُ مَادَّتُهُ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَكَأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (دَيِّنَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ كَانَتْ تَارِكَةً لِلصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَوْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهَذِهِ مُرْتَدَّةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا حِينَئِذٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِكْرٌ) كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِلشَّخْصِ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ إلَّا مِنْ بِكْرٍ أَيْ لَمْ يَتَزَوَّجْ قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ بِنْتِ الزِّنَى) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّسِيبَةِ مَنْ لَهَا نَسَبٌ لَا شَرِيفَةَ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً) يُرِيدُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ بَابِ نَفْيِ الْمَوْصُوفِ مُقَيَّدًا بِالصِّفَةِ. قَوْلُهُ: (كَانَ أَنْسَبَ إلَخْ) كَانَ وَجْهُهُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ كُلُّهَا مُفْرَدَةً.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَعْنَى يُؤْدَمَ يَدُومَ تَقَدَّمَ الْوَاوُ عَلَى الدَّالِ، وَقِيلَ مِنْ الْإِدَامِ مَأْخُوذٌ مِنْ إدَامِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>