أَيْ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ، (تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ (وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَته) هُوَ مُرَادُ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ أَوْ بِتَوَقُّعٍ لِشِفَاءٍ عِنْدَ إشَارَةِ الْأَطِبَّاءِ، أَيْ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ فَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ اكْتَفَى فِي الْمَجْنُونَةِ بِالْبُلُوغِ عَنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا وَاقْتَصَرَ فِي الْمَجْنُونِ عَلَى الْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِلْزَامِهَا لِلْبُلُوغِ بِخِلَافِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْأَطِبَّاءُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ بَالِغَةٌ مُحْتَاجَةٌ، وَبَالِغٌ ظَاهِرُ الْحَاجَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا يُفِيدُهَا الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَتَزْوِيجُهُ يُغْرِمُهُ إيَّاهُمَا، (لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ) عَاقِلَيْنِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْمَجْنُونَيْنِ
(وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ وَنَوَاهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ) أَيْ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فَلَوْ اقْتَصَرَ الْوَلِيُّ عَلَى زَوَّجْتُك بِنْتِي وَاقْتَصَرَ الْوَكِيلُ عَلَى قَبِلْت نِكَاحَهَا وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِهِ، وَهَذِهِ غَيْرُ النِّيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمَا الْمُرَادُ بِالْمُجْبِرِ هُنَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إجْبَارٌ حَقِيقَةً كَمَا فِي الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ وَمِثْلُهُمَا الْقَاضِي هُنَا. قَوْلُهُ: (هُوَ مُرَادُ الْمُحَرَّرِ) أَيْ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُفْهَمُ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْأُخْرَى فَلَوْ قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَذَا، وَالْمُرَادُ مِنْهَا كَذَا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا سَتَعْرِفُهُ، مِمَّا يَأْتِي وَالْمُرَادُ الْمُطْبِقُ جُنُونُهُمَا وَإِلَّا لَمْ يُزَوَّجَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا فِي غَيْرِ الْبِكْرِيِّ وَبِعَوْدِ جُنُونِهِمَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ وَفَارَقَا الْمُحْرِمَ بِبَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِ دُونَهُمَا. قَوْلُهُ: (عَنْ الْحَاجَةِ) رَاجِعٌ لَهُمَا مَعًا وَلَمْ تُقَيَّدْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا بِالظُّهُورِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاكْتَفَى بِالْحَاجَةِ عَنْ الْبُلُوغِ لِلُزُومِهِ لَهُمَا، كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ فَقَوْلُهُ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ إلَخْ بَيَانٌ لِوُجُودِ الْحَاجَةِ لَا لِظُهُورِهَا فِيهِمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الِاحْتِيَاجُ لِلْخِدْمَةِ فِيهِمَا وَقَيَّدَهُ فِي الْمَنْهَجِ فِي الذَّكَرِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِهَا، وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ شِرَاءِ أَمَةٍ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ وَاحْتِيَاجُ الْأُنْثَى لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَدْلَيْنِ) قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَلَوْ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي الْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ عَدْلَيْ شَهَادَةٍ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِلْزَامِهَا) هُوَ عِلَّةٌ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِظُهُورِهَا فَتَأَمَّلْ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَوْعٌ مِنْ الْبَدِيعِ يُسَمَّى الِاحْتِبَاكَ، وَهُوَ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ اسْتِغْنَاءٌ بِذِكْرِهِ فِي الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ تَوَقُّعِ الشِّفَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرَهُ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ وَسَيَأْتِي مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ) فَإِنْ امْتَنَعَ فَعَاضِلٌ وَيُزَوِّجُ مَنْ يُسَاوِيهِ لَا الْحَاكِمُ إلَّا إذَا عَضَلُوا كُلُّهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ) أَيْ الْخَوَاصُّ مِنْ النَّسَبِ أَمَّا لَوْ أَذِنَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ قُضَاةِ بَلَدِهَا، فَلِكُلٍّ الِانْفِرَادُ بِالْعَقْدِ بِلَا إقْرَاعٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَأَمَّا الْمُعْتِقُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْعَقْدِ، وَلَوْ بِإِذْنِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَأَمَّا عَصَبَتُهُمْ فَعَصَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ تَقُومُ مَقَامَهُ كَذَا قَالُوهُ، وَفِيهِ اقْتِضَاءٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ جَمِيعِ الْعَصَبَةِ الْمُتَعَدِّدِينَ سَوَاءٌ كَانُوا لِكُلِّ مُعْتِقٍ أَوْ لِبَعْضِهِمْ وَلَوْ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ اعْتِبَارُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ إذْ ذَاكَ، مِنْهُمْ كَأَوْلِيَاءِ النَّسَبِ، وَأَنَّهُمْ إذَا تَعَدَّدَتْ عَصَبَاتُهُمْ أَوْ عَصَبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَاتَّحَدَتْ دَرَجَتُهُمْ يُعْتَبَرُ إذْنُ كُلِّهِمْ كَأَوْلِيَاءِ النَّسَبِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (كَإِخْوَةٍ) أَيْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَشِقَّاءَ فَقَطْ أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ، وَكَذَا الْأَعْمَامُ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ: (فَسَأَلْت بَعْضَهُمْ) أَيْ مُعَيَّنًا مُفْرَدًا فَإِنْ تَعَدَّدَ فَفِيهِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ عَيْنًا إنْ انْفَرَدَ وَكِفَايَةً إنْ تَعَدَّدَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ اُسْتُحِبَّ إلَخْ) وَالصُّورَةُ أَنَّهَا قَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَلَوْ بِقَوْلِهَا: أَذِنْت لِكُلٍّ مِنْكُمْ أَنْ يُزَوِّجَنِي أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ، فَلْيَزَوَّجْنِي، أَوْ أَذِنْت لِوَاحِدٍ مِنْكُمْ، أَوْ أَذِنْت لِأَحَدِكُمْ، أَوْ لِأَحَدِ أَوْلِيَائِي وَكَذَا أَذِنْت لَكُمْ فِي تَزْوِيجِي سَوَاءٌ عَيَّنَتْ
[حاشية عميرة]
الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ) أَيْ فَهُمَا الْمُرَادُ بِالْمُجْبِرِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِ الْمُوَلِّيَةِ مُجْبَرَةً. قَوْلُهُ: (هُوَ مُرَادُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ كَأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْمُرَ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ بِمِثْلِ الظُّهُورِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ سَوَاءٌ وُجِدَتْ الْحَاجَةُ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (بِالْبُلُوغِ عَنْ الْحَاجَةِ) أَيْ عَنْ التَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ مُشْتَرَطَةٌ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادَهُ قَوْلُهُ الْآتِي فَكَأَنَّهُ قِيلَ بَالِغَةٌ مُحْتَاجَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ كَمَا سَلَفَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (عَاقِلَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْمِيمَ أَوْلَى وَكَأَنَّهُ فَرَّ مِنْ ذَلِكَ لِلُزُومِ التَّكْرَارِ وَإِيهَامِ الْعِبَارَةِ الْجَوَازَ فِي الْمَجْنُونِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ عَاضِلًا فَيُزَوِّجُهَا الْقَاضِي، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ إذْ كَيْفَ يُزَوِّجُ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ آخَرَ، قَالَ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ لَكِنْ بِإِذْنِهِمْ انْتَهَى. قُلْت وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَقِلُّ إلَّا بَعْدَ امْتِنَاعِ الْجَمْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: إلْزَامُهُ بِالْإِجَابَةِ تَرَتُّبُ الْإِثْمِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute