للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ فِيهَا وَفِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى آخِرِهِ (وَالْبَنَاتُ كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهَا أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَهَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا. (فَبِنْتُك. قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ، (وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ) مَاءِ (زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ) إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى نَعَمْ تُكْرَهُ لَهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ كَالْحَنَفِيَّةِ (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا مِنْ زِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ، لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ بَيْنَهُمَا، (وَالْأَخَوَاتُ) وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهَا أَبَوَاك أَوْ أَحَدُهُمَا فَأُخْتُك، (وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَ) بَنَاتُ (الْأَخَوَاتِ) وَإِنْ سَفَلْنَ (وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ، وَكُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (فَعَمَّتُك) وَقَدْ تَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُخْتِ أَبِي الْأُمِّ (أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (فَخَالَتُك) ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ، (وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعِ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ النَّسَبِ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] (وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ) أَرْضَعَتْ (مَنْ وَلَدَك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، (أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك) بِوَاسِطَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا (أَوْ ذَا لَبَنِهَا) هُوَ الْفَحْلُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (فَأُمُّ رَضَاعٍ وَقِسْ الْبَاقِيَ) بِمَا ذُكِرَ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] أَيْ نِكَاحُهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ إذْ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى تَحْرِيمِ الذَّاتِ، وَلَا تَحْرِيمِ الْكَلَامِ، وَلَا تَحْرِيمِ النَّظَرِ وَلَا تَحْرِيمِ الْمَسِّ، وَلَا تَحْرِيمِ نَحْوِ الْأَكْلِ لِمَا عُلِمَ مِنْ مَحَالِّهَا، فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ النِّكَاحِ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَخْتَصُّ إلَّا بِالْأَقَارِبِ فَتَأَمَّلْ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ فِي السَّبْعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ، مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ تَرْجِعُ إلَى أَنَّهَا إمَّا بِالْأُمُومَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، أَوْ بِالْوِلَادَةِ مِنْ الشَّخْصِ، أَوْ مِنْ أُصُولِهِ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ اقْتَصَرَ فِي الرَّضَاعِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَبِنْتُك) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُمِّ.

تَنْبِيهٌ: لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فِي الْأُمِّ أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَك وَلَا لِقَوْلِهِ فِي الْبِنْتِ أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَهَا. وَأَخْصَرُ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ يُقَالَ فِي الْأُمِّ كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي نَسَبُك إلَيْهَا وَفِي الْبِنْتِ كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي نَسَبُهَا إلَيْك. قَوْلُهُ: (وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ) وَالْمُرَادُ بِمَاءِ الزِّنَى مَا كَانَ حَالَ خُرُوجِهِ فَقَطْ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ فِي ظَنِّهِ وَالْوَاقِعُ مَعًا وَمِنْهُ مَا خَرَجَ مِنْ وَطْءِ الْمُكْرَهِ أَوْ مِنْ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا أَوْ مِنْ اللِّوَاطِ وَلَوْ لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ إتْيَانِ الْبَهَائِمِ وَلَوْ فِي فَرْجِهَا أَوْ مِنْ الِاسْتِمْنَاءِ بِغَيْرِ يَدِ حَلِيلَتِهِ، وَلَوْ بِيَدِهِ وَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ وَقُلْنَا بِحِلِّهِ حِينَئِذٍ نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ حَلِيلَتِهِ، وَلَا الْخَارِجُ فِي نَحْوِ نَوْمٍ وَلَوْ بِاسْتِدْخَالِ أَجْنَبِيَّةٍ ذَكَرَهُ، وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَتُهُ وَحَمَلَتْ مِنْهُ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي هَذِهِ: يَنْبَغِي أَنَّهَا نَسِيبَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَاحِقَةٌ لَهُ بِالْفِرَاشِ، وَمَالَ إلَيْهَا شَيْخُنَا وَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ أَيْضًا.

تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَبِنْتِ الزِّنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا مَعَهَا فَتَحْرُمُ، كَمَا يَأْتِي وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا فِيهَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لَهَا الْمَحْرَمِيَّةُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَلَا يَحِلُّ نَظَرُهَا لَهُ، وَلَا نَظَرُهُ لَهَا وَلَا الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِقَطْعِهَا، وَلَا بِسَرِقَتِهِ مَالَهَا، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهَا، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا وَمِثْلُهَا الْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِهَا فَحَرِّرْهُ. قَوْلُهُ: (كَالْحَنَفِيَّةِ) وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَى) وَكَذَا عَلَى مَحَارِمِهَا. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ النَّسَبِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْهَا، وَقَدْ انْفَصَلَ عَنْهَا وَهُوَ إنْسَانٌ وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَخَوَاتُ) وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمُسْتَلْحَقَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِهَا وَلَمْ يُصَدِّقْ أَبَاهُ فِي اسْتِلْحَاقِهَا، أَوْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا، وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ فَلَوْ طَلُقَتْ مِنْهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إذَا بَانَتْ، وَلَهُ رَجَعْتُهَا، إذَا لَمْ تَبْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا بِأَنْ اسْتَلْحَقَ أَبُوهَا زَوْجَهَا، وَلَمْ تُصَدِّقْهُ هِيَ، وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِمَا يُعْلَمُ رَدُّهُ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (أَبَوَاك أَوْ أَحَدُهُمَا) أَيْ حَقِيقَةً بِلَا وَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلْنَ) رَاجِعٌ لِبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَكُونُ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضَّابِطِ وَذَكَرَهُ لِخَفَائِهِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَرْضَعَتْك) وَقَدْ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ تَقْرِيبًا وَإِلَّا فَلَبَنُهَا لَا يُحَرِّمُ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَرْضَعَتْ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ التَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ: بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ ذَا لَبَنِهَا) أَيْ مَنْ وَلَدَتْهُ، وَكَذَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ. قَوْلُهُ: (وَقِسْ الْبَاقِيَ) أَيْ مِنْ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ. قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

الزَّرْكَشِيَّ تَعَرَّضَ لَهُمَا وَأَثْبَتَ فِيهِمَا خِلَافَ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِمَا ذُكِرَ قِيَاسًا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ مَاءِ زِنَاهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ، وَانْظُرْ لَوْ خَرَجَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ ثُمَّ اسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَتُهُ كَيْفَ الْحُكْمُ وَالْوَجْهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ) مِثْلُهَا الْمَحَارِمُ الْمُدْلُونَ بِهَا كَبِنْتِهَا وَأُمِّهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ تَأَسِّيًا بِالْقُرْآنِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ مِنْهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ يُفْهِمُ حِلَّ بَنَاتِ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقَالَ تَعَالَى) قَدَّمَ الْحَدِيثَ لِعُمُومِ دَلَالَتِهِ وَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبَّهَ بِالْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْآيَةِ عَلَى بَاقِي السَّبْعِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّبْعَ حُرِّمْنَ لِمَعْنَى الْوِلَادَةِ وَالْأُخُوَّةِ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ ذَا لَبَنِهَا) وَكَذَا مُرْضِعَةُ الْفَحْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>