للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتَمَوَّلُ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُجَوِّزُ أَقَلَّ مِنْهَا، وَأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ خَالِصَةٍ صَدَاقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَزْوَاجِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ

(وَإِذَا أَصْدَقَ عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ) كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَفِي قَوْلٍ ضَمَانَ يَدٍ) ، كَالْمُسْتَامِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) كَالْمَبِيعِ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي (وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِآفَةٍ (وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ) لِانْفِسَاخِ عَقْدِ الصَّدَاقِ بِالتَّلَفِ بِخِلَافٍ عَلَى الثَّانِي فَلَا يَنْفَسِخُ وَيَجِبُ مِثْلُ التَّالِفِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَهِيَ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ، لِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فِيهِ، وَقِيلَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ، وَقِيلَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ

(وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ) الزَّوْجَةُ (فَقَابِضَةٌ) لِحَقِّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِيمَا إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا لَهُ بَلْ يَلْزَمُ قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ، أَنْ تَغْرَمَ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ وَتَأْخُذَ مَهْرَ الْمِثْلِ.

(وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ) ، بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِبْقَائِهِ (فَإِنْ فَسَخَتْ الصَّدَاقَ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلٍ) ، عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُ الصَّدَاقِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى الثَّانِي، وَيَأْخُذُ الزَّوْجُ الْغُرْمَ مِنْ الْمُتْلِفِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ الصَّدَاقَ (غَرَّمَتْ الْمُتْلِفَ) الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالْغُرْمِ عَلَى الثَّانِي وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَتَخَيَّرُ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ، فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَقَالَ وَتَبِعْهُ الْمُصَنِّفُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْعَقْدِ، فَأَمَّا عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ فَلَا خِيَارَ وَلَيْسَ لَهَا إلَّا طَلَبُ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ كَمَا إذَا أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُسْتَعَارَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ.

(وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ فَكَتَلَفِهِ) بِآفَةٍ (وَقِيلَ كَأَجْنَبِيٍّ) أَيْ كَإِتْلَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمَا.

(وَلَوْ أَصَدَقَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ عَبْدٌ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ)

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (صَحَّ صَدَاقًا) أَيْ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ لِعَارِضٍ كَجَعْلِ أَصْلِ صَغِيرَةٍ صَدَاقًا لَهَا أَوْ أُمِّ وَلَدٍ صَدَاقًا قَالَهُ كَأَنْ أَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ دُخُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مِلْكِ الصَّغِيرِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَهْرُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، صَدَاقُ بَنَاتِهِ وَزَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أُمِّ حَبِيبَةَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَتَمَوَّلُ) وَمِثْلُهُ مَا لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ كَحَقِّ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ. قَوْلُهُ: (لِأَزْوَاجِهِ) وَبَنَاتِهِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (عَيْنًا) لَيْسَتْ قَيْدًا إلَّا لِمُنَاسِبَةِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهَا.

قَوْلُهُ: (فَتَلِفَتْ) لَوْ أَسْقَطَهُ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ كَوْنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِتَلَفِهَا. قَوْلُهُ: (ضَمَانَ عَقْدٍ) وَهُوَ مَا يُضْمَنُ بِالْمُقَابِلِ. قَوْلُهُ: (ضَمَانَ يَدٍ) وَهُوَ مَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ.

قَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَامِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَضْمُون بِهِ كَقَوْلِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ إنَّ الْمُسْتَامَ يُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ وَلَوْ مِثْلِيًّا فَيُخَالِفُ كَوْنَهَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ) وَلَا غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالتَّقَابُلُ فِيهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ نَحْوَ تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ مُنِعَ فِيهِ الِاعْتِيَاضُ لِأَنَّهُ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (أَتْلَفَتْهُ الزَّوْجَةُ) أَيْ الرَّشِيدَةُ وَلَوْ جَاهِلَةً بِأَنَّهُ الْمَهْرُ مَثَلًا إتْلَافًا مُضَمَّنًا أَمَّا إتْلَافُ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ، وَالْإِتْلَافُ لِنَحْوِ صِيَالٍ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ وَيَلْزَمُ غَيْرَ الرَّشِيدَةِ الْبَدَلُ.

قَوْلُهُ: (أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) أَيْ أَهْلٌ لِلضَّمَانِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَنَحْوِ الصِّيَالِ. قَوْلُهُ: (تَخَيَّرَتْ) فَوْرًا. قَوْلُهُ: (وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ) لَمْ يَقُلْ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي مَثَلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ طَرِيقًا فَتَأَمَّلْ. .

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ) وَلَوْ غَيْرَ أَهْلٍ أَوْ بِحَقٍّ فَكَتَلَفِهِ بِالْآفَةِ.

قَوْلُهُ: (فَتَلِفَ) أَيْ تَلَفًا لَا ضَمَانَ فِيهِ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَمَا صَحَّ مَبِيعًا) قَدْ يُدَّعَى شُمُولُهُ لِلْمَنَافِعِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنَافِعَ نَعَمْ يُرَدُّ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ صَدَاقًا وَكَذَا الْقَوَدُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى عَبْدِهَا يَصِحُّ جَعْلُهُ صَدَاقًا وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَا إيرَادَ

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَصْدَقَ عَيْنًا) مِثْلُهَا الْمَنْفَعَةُ قَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَامِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِتَلَفِهِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَالْمَبِيعِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْأَوَّلِ) فَرَّعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ فِي الصَّدَاقِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ) لَوْ كَانَ دَيْنًا صَحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلَوْ قَالَ بَيْعُهَا لَسَلِمَ مِنْ إيرَادٍ ذَلِكَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ وَلَوْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَامْتَنَعَ وَإِنَّمَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْبُضْعَ بِالْعَقْدِ كَالتَّالِفِ وَعِوَضُ الْبُضْعِ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهَا الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ فَإِنْ فُرِضَتْ زِيَادَةٌ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ

قَوْلُهُ: (فَقَابِضَةٌ) هُوَ شَامِلٌ لِلْجَاهِلَةِ قَوْلُهُ: (وَقِيَاسُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّى يَتَّجِهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْعَقْدِ

قَوْلُهُ: (تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ) ، أَيْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي بَحْثُ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الصَّدَاقِ إلَخْ) قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ أَنَّهَا لَا تُطَالِبُ الْمُتْلِفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ) كَانَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ النَّظَرُ لِهَذَا الْبَحْثِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا ذُكِرَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ: (فَتَلِفَ عَبْدٌ) أَيْ بِآفَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ انْفَسَخَ الصَّدَاقُ أَمَّا لَوْ أَتْلَفَتْهُ فَقَابِضَةٌ لِحِصَّتِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>