دَمٍ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ عَلَيْهِ مُعْتَرِضًا بِذَلِكَ عَلَى الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي نَفْيِهِمْ الْخِلَافَ فِيهِ (فَإِنْ عَبَرَهُ) أَيْ عَبَرَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَيْ جَاوَزَهُ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ مَنْ عَبَرَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ (مُبْتَدَأَةً) أَيْ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ (مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا) بِشُرُوطِهِمَا الْآتِيَةِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، فَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَسْوَدِ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْقَرِ وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ، وَمِنْ الْأَكْدَرِ إذَا جُعِلَا حَيْضًا، وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ، فَالْمُنْتِنُ أَوْ الثَّخِينُ مِنْ الْأَسْوَدَيْنِ مَثَلًا أَقْوَاهُمَا، وَالْمُنْتِنُ الثَّخِينُ مِنْهُمَا أَقْوَى مِنْ الْمُنْتِنِ أَوْ الثَّخِينِ (فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَا عَبَرَ أَكْثَرُهُ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ) بِأَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً فَأَكْثَرَ تَقَدَّمَ الْقَوِيُّ
ــ
[حاشية قليوبي]
عَلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَقَدُّمُ الْأَصْغَرِ وَإِلَّا كُدِّرَ، وَلَعَلَّهُ لِمَحَلِّ الِاتِّفَاقِ وَالدَّمُ الْخَارِجُ مَعَ طَلْقِهَا، لَيْسَ بِحَيْضٍ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَلِدْ لَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْحَيْضِ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالنِّفَاسِ، لِأَنَّهُ عَارِضٌ قَوِيٌّ وَلَا يُوصَفُ الدَّمُ الْوَاحِدُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَنِفَاسًا مَعًا، كَذَا قَالُوهُ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ) أَيْ فَهِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي كَلَامِهِمْ ابْتَدَأَهُ الشَّيْءُ، وَإِنَّمَا هِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ مُبْتَدِئَةً فِي الدَّمِ. قَوْلُهُ: (بِشُرُوطِهِمَا) هُوَ قَيْدٌ لِلْحُكْمِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالضَّعِيفُ إلَخْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالشَّارِحِ أَنَّهُ قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهَا مُمَيِّزَةً كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَقْوَاهُمَا) وَالْأَصْفَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَكْدَرِ، فَإِنْ تَسَاوَى الدَّمَانِ عُمِلَ بِالْأَسْبَقِ. قَوْلُهُ: (وَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ طَالَ وَتَمَادَى سِنِينَ، كَمَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ. نَعَمْ لَوْ رَأَتْ قَوِيًّا وَضَعِيفًا وَأَضْعَفَ فَالْقَوِيُّ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ فِي الْقُوَّةِ مِنْ الضَّعِيفِ، حَيْضٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ، تَقَدُّمُ الْقَوِيِّ وَاتِّصَالُ الْمُنَاسِبِ لَهُ بِهِ، وَصَلَاحِيَّتُهُمَا مَعًا لِلْحَيْضِ كَخَمْسَةٍ أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَحْمَرَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ، وَإِلَّا كَعَشْرَةٍ أَسْوَدَ ثُمَّ سِتَّةٍ أَحْمَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ أَوْ خَمْسَةٍ أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ أَوْ خَمْسَةٍ أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَصْفَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَالْحَيْضُ فِي الْكُلِّ هُوَ الْأَسْوَدُ فَقَطْ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْقَوِيِّ بِالْحَيْضِ وَالضَّعِيفِ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِي أَيِّ زَمَنٍ وُجِدَا، بِهَذِهِ الشُّرُوطِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ دَامَ دَمُهَا، كَمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ عَبَرَهُ إلَخْ. أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ فَلَا تَأْتِي فِيهِ الشُّرُوطُ، وَلَا تَرِدُ عَلَيْهِ كَأَنْ رَأَتْ عَشْرَةً أَسْوَدَ وَعَشْرَةً أَحْمَرَ، وَانْقَطَعَ فَالْحَيْضُ الْعَشَرَةُ الْأَسْوَدُ وَثَبَتَ لَهَا بِهِ عَادَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ) أَيْ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ نَقَاءٌ أَوْ ضَعِيفٌ، أَوْ عَقَبَهُ ضَعِيفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَنْقُصْ إلَخْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْمُعْتَادَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ إلَخْ) أَيْ لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ طُهْرًا
[حاشية عميرة]
الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَاقِعَتَيْنِ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ وَحِكَايَةَ وَجْهٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْوَاقِعَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي الْإِسْنَوِيِّ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ، أَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالثَّانِي اشْتِرَاطُ دَمٍ قَوِيٍّ سَابِقٍ عَلَى الصُّفْرَةِ أَوْ لَاحِقٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْوَاقِعِ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ) أَيْ فَهِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ، وَتَوَقَّفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي قَوْلِك: ابْتَدَأَهُ الشَّيْءُ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ فِي اللُّغَةِ، وَعَلَيْهِ فَيَقْرَأُ فِي الْمَتْنِ بِكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ ابْتَدَأَتْ فِي الدَّمِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مُمَيَّزَةً.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ تَمَادَى سِنِينَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ، صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حَبَشٍ «إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (فَرْعٌ) لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أُطْلِقَتْ الْحُمْرَةُ فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ، وَكَذَا كُلُّ دَوْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْمُعْتَادَةِ الْمُمَيَّزَةِ كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ) أَيْ مَعَ لَاحِقٍ لَهُ نِسْبِيٍّ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ إلَخْ) هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شُرُوطٌ فِي تَحَقُّقِ التَّمْيِيزِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ تَمْيِيزُ مُبْتَدَأَةٍ أَوْ مُعْتَادَةٍ فَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ذِكْرِهَا هُنَا عَدَمُ جَرَيَانِهَا فِي تَمْيِيزِ الْمُعْتَادَةِ الْآتِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ إلَخْ) .
قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّا نُرِيدُ أَنْ نَجْعَلَ الضَّعِيفَ طُهْرًا وَالْقَوِيَّ بَعْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ الضَّعِيفُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَثَّلَ الْإِسْنَوِيُّ لِذَلِكَ بِمَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ، فَلَوْ أَخَذْنَا بِالتَّمْيِيزِ هُنَا وَاعْتَبَرْنَاهُ فَجَعَلْنَا الْقَوِيَّ حَيْضًا وَالضَّعِيفَ طُهْرًا وَالْقَوِيَّ بَعْدَهُ حَيْضًا آخَرَ يَلْزَمُ نُقْصَانُ الطُّهْرِ عَنْ أَقَلِّهِ، انْتَهَى.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَيْضًا وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute