للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجُ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ مِنْهُ بِهِ وَيَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شُوهِدَ الدَّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ (لَا فِي وِلَادَتِهَا) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهَا فَقَالَتْ وَلَدْت وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَقَالَ هَذَا الْوَلَدُ مُسْتَعَارٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَالثَّانِي تُصَدَّقُ فِيهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي رَحِمِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا وَوَضْعَ حَمْلٍ فِي الْعِدَّةِ (وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا) كَأَنْ قَالَ إنْ حِضْت فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ إذْ لَوْ صُدِّقَتْ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهَا لَزِمَ الْحُكْمُ لِلْإِنْسَانِ يَمِينٌ غَيْرُهُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي تَصْدِيقِ الْمُنْكِرِ

(وَلَوْ قَالَ) لِامْرَأَتَيْهِ (إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ) وَالْمَعْنَى أَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِحَيْضِهِمَا جَمِيعًا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ تَكْذِيبِ إحْدَاهُمَا (فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَيْضِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ، (وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً) فَقَطْ (طَلُقَتْ فَقَطْ) إذْ حَلَفَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِيَمِينِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ لَهَا وَالْمُصَدَّقَةُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا حَيْضُ ضَرَّتِهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَالِفِ فَلَمْ تَطْلُقْ

(وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا مَتَى طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الْمُنْجَزُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ الْمُنْجَزُ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنْجَزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطُ وُقُوعِ الْمُنْجَزِ (وَقِيلَ) وَقَعَ (ثَلَاثٌ) الطَّلْقَةُ الْمُنْجَزَةُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ لِأَدَائِهَا إلَى الْمُحَالِ، (وَقِيلَ لَا شَيْءَ) يَقَعُ مِنْ الْمُنْجَزِ وَالْمُعَلَّقِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنْجَزُ لَوَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لَمْ يَقَعْ الْمُنْجَزُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنْجَزُ، لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْأَوَّلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَالثَّانِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذْ غَيْرُهَا لَا يَتَعَاقَبُ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ وَالثَّالِثُ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَبِهِ اشْتَهَرَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالسُّرَيْجِيَّةِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، كَمَا اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ الْأَوَّلَ (وَلَوْ قَالَ إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت) النِّكَاحَ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) وَمِثْلُ الْوِلَادَةِ كُلُّ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ، وَمِثْلُ الْحَيْضِ كُلُّ مَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَوَضْعَ حَمْلٍ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ فِي انْقِضَائِهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ حَقِّ نَفْسِهَا، فَوَضْعٌ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى حَيْضًا وَفِي الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقًا بِمُؤْتَمَنَةٍ أَوْ بِوَضْعٍ. قَوْلُهُ: (غَيْرِهَا) وَلَوْ غَيْرَ صُورَتِهَا وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فَلَوْ رَجَعَ فَكَمَا لَوْ كَذَّبَهَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُمْتَنِعٌ) فَلَا تَحْلِفُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَوْ حَلَفَتْ.

قَوْلُهُ: (إنْ حِضْتُمَا) وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً وَيُلْغِي لَفْظَ حَيْضَةٍ فَإِنْ قَالَ حَيْضَةً وَاحِدَةً فَلَا وُقُوعَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ نَصٌّ فِيهَا وَلَفْظُ وَلَدِ الْمِثْلِ لَفْظُ حَيْضَةٍ فِيمَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (فَزَعَمَتَاهُ) أَيْ ادَّعَتَا وُجُودَهُ بَعْدَ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ وَاسْتِعْمَالُ الزَّعْمِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ خِلَافُ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا الْأَصْلَ تَعْلِيلٌ لِلْأَصْلِ السَّابِقِ، بِقَوْلِهِ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي تَصْدِيقِ الْمُنْكَرِ فَتَأَمَّلْ وَعِلَّةُ عَدَمِ تَصْدِيقِهِمَا تَقَدَّمَتْ.

قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَهُ) أَيْ الْوَجْهَ الثَّالِثَ قَوْلُهُ: (كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ) غَيْرَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمَذْكُورِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ رَدُّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ مِنْ رَدِّ نِسْبَتِهَا لِابْنِ سُرَيْجٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الشَّارِحَ لَا يُقَاوِمُهُ غَيْرُهُ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا فِي تَحْرِيرِ الْخِلَافِ وَلَا فِي نِسْبَةِ الْأَوْجُهِ إلَى أَصْحَابِهَا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ نَفْيَ الْمَسْأَلَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا يَنْفِي نِسْبَتَهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ اسْتِوَاءَ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَبِالْأَوَّلِ كَمَا يُفِيدُ كَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ قُوَّتَهُ كَقُوَّةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقْوَى لِأَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَمِنْهُمْ الْقَفَّالَانِ، وَابْنُ الْحَدَّادِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَكَذَا الشِّيرَازِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا، وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ وَالْبَرَاهِينَ الْقَوِيَّةَ نَاطِقَةٌ بِقَوْلِهِ وَحَاكِمَةٌ بِحُكْمِهِ، وَأَمَّا خَامِسًا فَلِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْمُحَالِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَلْ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ كَمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا سَادِسًا فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى فَاعِلِهِ دَائِمًا لَا مَانِعَ

ــ

[حاشية عميرة]

الْكَتْمَ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَوْلِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْآتِي تَمَسُّكٌ بِعُمُومِهَا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي تُصَدَّقُ فِيهَا بِيَمِينِهَا) . أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَاقِ خَاصَّةً دُونَ لُحُوقِ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ تَصْدِيقِهَا لَيْسَ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً فِي حَقِّ الضَّرَّةِ، بَلْ لِأَنَّا لَا نَقْبَلُ قَوْلَهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا حَتَّى لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى حَيْضِ أَجْنَبِيَّةٍ، فَزَعَمَتْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَقَالَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقْبَلُ قَوْلَهُ، فِيمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَيُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ، وَقَالَ وَلَا نَظَرَ إلَى إتْمَامِهَا فِي طَلَاقِ ضَرَّتِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا.

قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لَوْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَدَّقَ وَاحِدَةً يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ الْأُخْرَى، إذَا حَلَفَتْ.

قَوْلُهُ: (الْمُنْجَزُ فَقَطْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُنْجَزِ وَالْمُعَلَّقِ مُمْتَنِعٌ وَوُقُوعُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَالْمُنْجَزُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ افْتِقَارُ الْمُتَعَلَّقِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ سَابِقًا عَلَى الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ، وَالْجَزَاءُ لَا يَتَقَدَّمُ فَيَلْغُو وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ، وَالزَّوْجُ أَهْلٌ لَهُ وَهِيَ مَحِلٌّ لَهُ فَيَبْعُدُ النَّبْذُ لَهُ، اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَفْرَدَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِالتَّصْنِيفِ كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِئَ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: (وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُلْغَى قَوْلُهُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ جَاءَتْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَدْخُولِ بِهَا) لَوْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا سِوَى طَلْقَةٍ فَكَغَيْرِ الْمَدْخُولِ الشِّيرَازِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ اشْتَهَرْت) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>