للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ التَّعْلِيقُ بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، (وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهَا كَأَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الصَّبِيَّةِ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ صَبِيٍّ إنْ شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا شِئْت لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، (وَقِيلَ يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ) أَيْ بِمَشِيئَتِهِ فَتُعْتَبَرُ كَمَا اُعْتُبِرَتْ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ بَالِغٍ مَجْنُونٍ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، فَقَالَ شِئْت لَمْ يَقَعْ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ، (وَلَا رُجُوعَ لَهُ) أَيْ لِلْمُعَلِّقِ (قَبْلَ الْمَشِيئَةِ) مِنْ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ تَمْلِيكًا كَمَا لَا يَرْجِعُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعَاوَضَةً (وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً لَمْ تَطْلُقْ) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَهَا فَلَا تَطْلُقُ أَصْلًا كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَدَخَلَهَا (وَقِيلَ يَقَعُ طَلْقَةٌ) نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاء طَلْقَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا

(وَلَوْ عَلَّقَ) الزَّوْجُ الطَّلَاقَ (بِفِعْلِهِ) كَأَنْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ (فَفَعَلَ) الْمُعَلَّقَ بِهِ (نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ) ذَاكِرًا لَهُ (مُكْرَهًا) عَلَى الْفِعْلِ أَوْ طَائِعًا جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، (لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أَيْ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي تَطْلُقُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَلَيْسَ النِّسْيَانُ وَنَحْوُهُ دَافِعًا لِلْوُقُوعِ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ) فَلَا يُخَالِفُهُ فِيهِ لِصَدَاقَةِ أَوْ نَحْوِهَا، (وَعَلِمَ بِهِ فَكَذَلِكَ) أَيْ إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَظْهَرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ، أَوْ كَانَ يُبَالَى بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِ (قَطْعًا) وَإِنْ اتَّفَقَ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ نِسْيَانٌ أَوْ نَحْوُهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (لَا يَقْصِدُ التَّعْلِيقَ بِهِ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ أَمَّا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَحَبَّتِهَا لَهُ أَوْ رِضَاهَا عَنْهُ فَقَالَتْ ذَلِكَ كَارِهَةً فَلَا وُقُوعَ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا وَغَيْرِهَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيَّةٍ) أَيْ مَا لَمْ يُرِدْ التَّلَفُّظَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا) وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (مَجْنُونٌ) أَيْ وَقْتَ التَّعْلِيقِ أَوْ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لَمْ يَقَعْ قَطْعًا مَا لَمْ يُرِدْ اللَّفْظَ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (زَيْدٌ) خَرَجَ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَلَائِكَةُ وَالْبَهِيمَةُ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا مَا لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَشَاءَ طَلْقَةً) وَلَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَوْ فِي عَكْسِ الصُّورَةِ فَشَاءَ ثَلَاثًا. قَوْلُهُ: (نَظَرًا إلَخْ) فَلَوْ قَالَ أَرَدْت وُقُوعَ طَلْقَةٍ إذَا شَاءَهَا وَقَعَتْ أَوْ عَدَمَ وُقُوعِهَا إذَا شَاءَهَا وَقَعَ طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (بِفِعْلِهِ) أَيْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ لِأَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ إعْلَامَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ. قَوْلُهُ: (نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا) وَلَوْ احْتِمَالًا فِيهِمَا وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فَقِيلَ لَهُ إنَّ شَيْخَنَا الرَّمْلِيَّ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ أَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ بِحَقٍّ كَالْإِخْبَارِ فَرَجَعَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (جَاهِلًا بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ) أَوْ جَاهِلًا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ كَأَنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا فَظَنَّ الْوُقُوعَ فَفَعَلَهُ ثَانِيًا أَوْ إفْتَاءَ مَنْ صَدَّقَهُ، وَلَوْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْإِفْتَاءِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ بِهِ فَفَعَلَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِمَوْتِ زَوْجَتِهِ فَفَعَلَهُ فَبَانَتْ حَيَاتُهَا، قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ ظَنَّ تَنَاقُضَهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ إنَّ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ لَمْ يَكُنْ، أَوْ كَانَ أَوْ سَيَكُونُ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلْت أَوْ لَمْ يَكُنْ فَعَلْت أَوْ فُلَانٌ لَمْ يَفْعَلْ، كَذَا أَوْ فَعَلَهُ أَوْ هُوَ فِي الدَّارِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَصَدَ حِينَ حَلِفِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ، أَوْ اعْتِقَادِهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، وَبِأَنَّ خِلَافَهُ حَنِثَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ مُحَاوَرَةً فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صِيغَةَ تَعْلِيقٍ كَوَاللَّهِ زَيْدٌ لَيْسَ فِي الدَّارِ مَثَلًا فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَطْلُقْ) وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لِأَنَّ لَهَا جِهَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَحْوِ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا فِي شَرٍّ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِفِعْلِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمُمَيِّزِ وَإِلَّا كَطِفْلٍ وَبَهِيمَةٍ فَلَا وُقُوعَ بِدُخُولِهِ مُكْرَهًا قَالَهُ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ.

قَوْلُهُ: (يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ) أَيْ وَقْتَ تَعْلِيقِهِ وَلَوْ احْتِمَالًا فِيهِمَا وَلَا نَظَرَ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَا لِمَا بَعْدَهُ وَدَخَلَ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى مُبَالَاةٍ لِأَنَّهُ شَأْنُهَا كَمَا فِي نَفْسِهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُخَالِفُهُ فِيهِ لِصَدَاقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) كَحَيَاءٍ وَمُرُوءَةٍ وَحُسْنِ خُلُقٍ وَخَوْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْوُقُوعُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَلِمَ بِهِ) أَيْ وَعَلِمَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ مَنْعِهِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (أَوْ جَاهِلًا بِمَا مَرَّ) أَوْ بِالْيَمِينِ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي تَطْلُقُ إلَخْ) بِهَذَا أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ، وَصُدُورُ النِّسْيَان حَالَةَ الْفِعْلِ، كَحَالِ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ مَعَ نِسْيَانِ الزَّوْجِيَّةِ وَتَوَقَّفَ جَمْعٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ عَنْ الْإِفْتَاءِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ بَيْنَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي كَأَنْ يَنْسَى فَيَحْلِفُ عَلَى مَا لَمْ يَفْعَلْهُ، أَنَّهُ فَعَلَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَخَصَّ الْبَغَوِيّ عَدَمَ الْحِنْثِ بِالنِّسْيَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي، وَوَافَقَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا فَدَخَلَ نَاسِيًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ اهـ.

فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ وَلَدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا مَا فَعَلَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ نَاسِيًا فَالْمُتَّجِهُ عَدَمُ الْحِنْثِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ. وَلَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ النِّسْيَانُ وَنَحْوُهُ دَافِعًا) لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِآدَمِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَعَلِمَ بِهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ الزَّوْجُ حَثَّهُ أَوْ مَنْعَهُ كَمَا جَزَمَا بِهِ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ التَّعْلِيقَ بِصُورَةِ الْفِعْلِ اهـ.

وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ السَّابِقَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>