للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَذْفِ فَلِأَنَّ قَذْفَ الْمَيِّتِ كَقَذْفِ الْحَيِّ فِي الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ وَيَكْفِي رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ لَمْسُهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَلَا يَكْفِي لَمْسُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ (بِخِلَافِ ضَرْبِهِ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ التَّعْلِيقُ مَيِّتًا لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي التَّعْلِيقِ بِالضَّرْبِ التَّشْوِيشُ وَالْمَيِّتُ، لَا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ حَتَّى يَتَشَوَّشَ بِهِ

(وَلَوْ خَاطَبَتْهُ) زَوْجَتُهُ (بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ فَقَالَ إنْ كُنْت كَذَاك) أَيْ سَفِيهًا أَوْ خَسِيسًا (فَأَنْت طَالِقٌ إنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ) أَوْ خِسَّةٌ (أَوْ التَّعْلِيقُ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ تَطْلُقْ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ) شَيْئًا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَالثَّانِي لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ بَلْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ نَظَرًا إلَى الْعُرْفِ فِي قَصْدِ الْمُكَافَأَةِ بِمَا ذَكَرَ (وَالسَّفَهُ مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ) أَيْ هُوَ صِفَةٌ لَا يَكُونُ لِلشَّخْصِ مَعَهَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، كَأَنْ يَبْلُغَ مُبَذِّرًا يُضَيِّعُ الْمَالَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ الْجَائِزِ، (وَالْخَسِيسُ قِيلَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ) بِأَنْ تَرَكَ دِينَهُ لِاشْتِغَالِهِ بِدُنْيَاهُ (وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا) بِمَا يَلِيقُ بِهِ.

ــ

[حاشية قليوبي]

بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَايَنَةَ، فَيُصَدَّقُ فِي غَيْرِ الْعَمْيَاءِ وَيَدِينُ فِيهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَيُصَدَّقُ فِيهَا أَيْضًا، وَيُقَالُ لَهُ هِلَالٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَبَعْدَهَا قَمَرٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ) وَلَوْ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ أَوْ فِي مَاءٍ صَافٍ أَوْ أَحَدُهُمَا سَكْرَانُ، وَلَا بُدَّ أَنْ تُسَمَّى رُؤْيَةً عُرْفًا وَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ فِي مِرْآةٍ لِأَنَّهُ خَيَالٌ إلَّا فِي رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَلَا رُؤْيَةُ بَعْضِ بَدَنِهِ مِنْ كُوَّةِ إلَّا وَجْهَهُ لِشَرَفِهِ، وَلَا رُؤْيَةٌ فِي مَنَامٍ إلَّا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا، بِمَا إذَا أَرَادَ رُؤْيَةَ الْمَنَامِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِمُسْتَحِيلٍ.

قَوْلُهُ: (وَالظُّفُرِ) وَكَذَا السِّنُّ وَالْمَسُّ كَاللَّمْسِ فِيمَا ذَكَرَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ) وَفَارَقَ الْأَيْمَانَ لِبِنَائِهَا عَلَى الْعُرْفِ وَلَوْ عَلَّقَ بِكَلَامِهَا زَيْدًا حَنِثَ بِخِطَابِهَا لَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ ثَقِيلَ السَّمْعِ لَا أَصَمَّ وَلَوْ مَعَ جُنُونِ أَحَدِهِمَا أَوْ سُكْرِهِ أَوْ بِكَلَامِهَا رَجُلًا دَخَلَ مُحْرِمُهَا وَزَوْجُهَا فَإِنْ ادَّعَى إرَادَةَ غَيْرِهِمَا صُدِّقَ، أَوْ بِكَلَامِهَا حِمَارًا أَوْ مَيِّتًا أَوْ نَائِمًا أَوْ غَائِبًا فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ أَوْ بِتَقْبِيلِهَا اُخْتُصَّ بِالْحَيَّةِ، أَوْ بِتَقْبِيلِ أَمَةٍ شَمِلَهَا مَيِّتَةً، أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مَعْصِيَةً فَتَرَكَ وَاجِبًا لَمْ يَحْنَثْ أَوْ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ فَفَعَلَ حَرَامًا كَذَلِكَ، أَوْ قَالَ لَا رَأَيْت شَيْئًا فِي الْبَيْتِ إلَّا كَسَرْته عَلَى رَأْسِك فَرَأَى هَاوُنًا طَلُقَتْ حَالًا أَوْ قَالَ لَا أَطَأُ أَمَتِي إلَّا بِإِذْنِك فَقَالَتْ طَأْهَا فِي عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَيِّتُ لَا يَحِسُّ) أَيْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَلَوْ شَهِيدًا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ إنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ إنْ لَمْ يَضْطَرِبْ وَإِلَّا فَعَلَى اللُّغَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالسَّفَهُ) أَيْ لُغَةً وَأَمَّا عُرْفًا فَهُوَ بَذَاءَةُ اللِّسَانِ وَالنُّطْقُ بِمَا يُسْتَحَى مِنْهُ. قَوْلُهُ: (هُوَ صِفَةٌ إلَخْ) وَظَاهِرُهُ إخْرَاجُ مَنْ بَذَرَ بَعْدَ رُشْدِهِ، وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ أَوْ فَسَقَ بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ فَسَقَ فِي دِينِهِ يُسَمَّى سَفِيهًا، وَفِي عِبَارَةِ الْعُبَابِ وَالسَّفَهُ مَا يُحْجَرُ بِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخَسِيسُ) أَيْ لُغَةً وَأَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ كَالْمِكَاسِ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ) أَيْ عُرْفًا وَالْبَخِيلُ شَرْعًا مَنْ لَا يُؤَدِّي مَا لَزِمَهُ وَعُرْفًا مَنْ لَا يُقْرِي بِالطَّعَامِ، وَالسَّفَلَةُ مَنْ يَعْتَادُ الْأَفْعَالَ الدَّنِيئَةَ، وَالْحَقِيرُ لُغَةً الْفَقِيرُ وَعُرْفًا فَاحِشُ الْقِصَرِ ضَئِيلُ الشَّكْلِ وَلَا عِبْرَةَ بِعُرْفِ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَلِيلُ النَّفَقَةِ، وَالْأَحْمَقُ مَنْ يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَالْغَوْغَاءُ مَنْ يُخَالِطُ الْأَرَاذِلَ وَيُخَاصِمُ بِلَا مُوجِبٍ وَالْقَلَّاشُ مَنْ يَذُوقُ الْأَطْعِمَةَ فِي نَحْوِ الْأَسْوَاقِ بِغَيْرِ شِرَاءٍ وَالْقَوَّادُ مَنْ يَجْمَعُ الرِّجَالَ مَعَ النِّسَاءِ وَلَوْ غَيْرَ أَهْلِهِ أَوْ الْمُرْدَ حَرَامًا فِيهِمَا وَالْقَرْطَبَانُ مَنْ لَا يَمْنَعُ الزَّانِيَ بِأَهْلِهِ أَوْ مَحَارِمِهِ وَالدَّيُّوثُ مَنْ لَا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ عَلَيْهِنَّ وَقَلِيلُ الْحَمِيَّةِ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَيْهِنَّ وَالْقَحْبَةُ الْبَغِيُّ وَهَزُّ اللِّحْيَةِ كِنَايَةٌ عَنْ الرُّجُولِيَّةِ فَإِذَا هَزَّ لِحْيَتَهُ فَقَالَتْ لَهُ رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا فَقَالَ إنْ كُنْت رَأَيْت مِثْلهَا فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنْ أَرَادَ الْمُكَافَأَةَ أَوْ أَطْلَقَ طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَتَعْلِيقٌ فَتُعْتَبَرُ الصِّفَةُ.

فَرْعٌ: قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَقُلْ كَمَا تَقُولِينَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَتْ لَهُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَلَاصُهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَقْصِدُ التَّعْلِيقَ أَوْ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ يَقُولَ أَنْتِ قُلْت أَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَتْ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ إذَا طَلَّقْتنِي فَقَالَ أَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ لَغَا وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ.

فَرْعٌ: لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا نَظَرًا لِظَاهِرِ النُّصُوصِ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا حَنِثَ لِذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ مُرْتَدًّا أَوْ الْكَافِرُ مُسْلِمًا تَبَيَّنَ الْحِنْثُ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي الثَّانِي.

ــ

[حاشية عميرة]

الزَّرْكَشِيُّ، وَالْوَجْهُ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْمُسْتَحِيلِ مَعَ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَأَنْت طَالِقٌ، قَالَ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيَّ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمُسْتَحِيلِ مَعَ النَّفْيِ يَقَعُ فِي الْحَالِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي التَّعْلِيقِ بِالضَّرْبِ التَّشْوِيشُ) فَلَا بُدَّ فِي الضَّرْبِ مِنْ الْإِيلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ.

قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ إلَخْ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْعُرْفُ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ وَقُدِّمَ الثَّانِي عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهَا حَتَّى تَمُوتَ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالضَّرْبِ الْمُوجِعِ جِدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>