للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُعْسِرَ مُنْظَرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] .

(وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ) لَهَا (بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ) بِأَنْ لَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا لِانْتِفَاءِ الْإِعْسَارِ الْمُثْبِتِ لِلْفَسْخِ وَهِيَ مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ، وَالثَّانِي لَهَا الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهَا بِالْمَنْعِ (وَلَوْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَمَا فَوْقَهَا (فَلَهَا الْفَسْخُ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ دُونَهَا (فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ) عَاجِلًا (وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ مِنَّةِ التَّبَرُّعِ، (وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ) ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، فَإِنَّ النَّفَقَةَ هَكَذَا تَجِبُ وَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ لَا يَكْسِبُ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، فَلَا خِيَارَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ وَلَا تَشُقُّ الِاسْتِدَانَةُ لِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ.

(وَإِنَّمَا تَفْسَخُ بِعَجْزٍ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ فَلَا خِيَارَ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْآنَ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ

(وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ) لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ، (وَكَذَا بِالْأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ فِي الْأَصَحِّ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا وَالتَّضَرُّرِ بِعَدَمِهِمَا، (قُلْت الْأَصَحُّ الْمَنْعُ فِي الْأُدْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقِيَاسِ النَّفْسِ بِدُونِهِ وَوُجِّهَ الْمَنْعُ فِي الْمَسْكَنِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ بَعِيدٌ

(وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ

ــ

[حاشية قليوبي]

الْفَسْخُ بِذَلِكَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ الطَّبَلَاوِيُّ وَغَالِبُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ بِانْقِطَاعِ خَبَرِهِ، وَعُزِيَ أَيْضًا لِوَالِدِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي الْحَوَاشِي وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ لَهُ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ حَضَرَ بَعْدَ الْفَسْخِ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بِالْبَلَدِ خَفِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَذْكُرَ عِلْمَهَا بِهِ، وَلَا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَانْظُرْ عَلَى قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ لَوْ حَضَرَ، وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بِالْبَلَدِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْفَسْخُ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَغَابَ مَالُهُ إلَخْ) وَمِثْلُ غَيْبَتِهِ مَا لَوْ كَانَ دَيْنًا غَيْرَ مُتَيَسِّرِ الْحُصُولِ بِأَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُوسِرٍ مُقِرٍّ بَاذِلٍ، وَغَيْبَةُ مَالِ مَدِينِهِ كَغَيْبَةِ مَالِهِ، وَتَعَذَّرَ بَيْعُ مَالِهِ كَأَنْ كَانَ عُرُوضًا كَغَيْبَتِهِ أَيْضًا. وَلَوْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ لِإِحْضَارِ مَالِهِ الَّذِي فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ أُمْهِلَ ثَلَاثًا أُخْرَى الَّتِي هِيَ مُدَّةُ الْفَسْخِ ثُمَّ تَفْسَخُ.

قَوْلُهُ: (بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) وَهِيَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ وَهَذِهِ لَيْسَ لَهَا فَوْقُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَمَا فَوْقَهَا يَقْتَضِي حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَهَا الْفَسْخُ) وَفَارَقَ عَدَمُ الْفَسْخِ بِغَيْبَتِهِ هُوَ بِأَنَّ الْعُذْرَ فِي غَيْبَةِ مَالِهِ مِنْ جِهَتِهِ وَفِي غَيْبَتِهِ مِنْ جِهَتِهَا.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ دُونَهَا) أَيْ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَا فَسْخَ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا بِقَدْرِ مَسَافَةِ الْإِمْهَالِ فَأَقَلَّ أَوْ كَانَ عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ بَاذِلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَوْ تَعَذَّرَ إحْضَارُ مَالِهِ لِنَحْوِ خَوْفٍ.

قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) لَيْسَ وَلَدًا عَلَى وَالِدٍ لَزِمَهُ إعْفَافُهُ وَلَا وَالِدًا عَنْ وَلَدٍ فِي حِجْرِهِ، وَلَا سَيِّدًا لِأَمَتِهِ أَوْ عَنْ عَبْدِهِ، فَيَلْزَمُهَا الْقَبُولُ فِي ذَلِكَ، وَلَا تَفْسَخُ وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ بِلُزُومِ الْقَبُولِ أَيْضًا فِي وَلَدٍ عَنْ وَالِدٍ لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَإِنْ تَبِعَهُ وَالِدُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي بَعْضِ حَوَاشِيهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْهُ) خَرَجَ مَا لَوْ دَفَعَهَا لَهُ فَيَلْزَمُهَا الْقَبُولُ لِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مَلَكهَا بِأَخْذِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْكَسْبِ) أَيْ الْحَلَالِ اللَّائِقِ بِهِ فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْكَسْبُ بِالْخُمُورِ وَآلَاتِ الْمَلَاهِي وَبِصِنَاعَتِهَا وَبِالْكِهَانَةِ، وَالتَّنْجِيمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهَا الْفَسْخُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَبِالثَّانِي غَيْرُ اللَّائِقِ كَفِعَالَةٍ لِذِي هَيْئَةٍ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهِ لَائِقًا بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ مِنْهُ الْكَسْبُ بِالْفِعْلِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ) لَوْ قَالَ فَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ إلَخْ. لَكَانَ أَنْسَبَ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلِأَنَّ الْقَادِرَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَسْبِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ، لِأَنَّهُ كَالْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ لِنَحْوِ أُسْبُوعٍ، قَوْلُهُ: (الْيَسِيرِ) لَوْ سَكَتَ عَنْهُ كَانَ أَوْلَى لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ كَسْبِهِ يَفِي بِمَا مَضَى، وَلَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِعَارِضٍ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ، أَوْ لِامْتِنَاعٍ فَلَا كَمَا عُلِمَ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ فِي نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَا فَسْخَ وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ، فَإِنْ كَانَ نَادِرًا فَلَا خِيَارَ وَإِلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ

قَوْلُهُ: (وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ) أَيْ بِأَقَلِّهَا وَهُوَ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ كَالْقَمِيصِ بِخِلَافِ نَحْوِ السَّرَاوِيلِ وَالْفُرُشِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ، وَيُقَالُ فِي الْمَسْكَنِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ.

قَوْلُهُ: (أَظْهَرُهَا تَفْسَخُ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِعْسَارُ بِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ الْآخَرَ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَسْخَ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَبَرَّعَ إلَخْ) مِثْلُهُ أَدَاؤُهَا بِضَمَانِ التَّبَرُّعِ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ: (كَالْمَالِ) فَعَلَى هَذَا لَوْ امْتَنَعَ كُلِّفَ الْكَسْبُ كَمَا يُكَلَّفُ الْمُوسِرُ إعْطَاءَ الْمَالِ وَإِلَّا فَسَخَ.

فَرْعٌ: الْكَسْبُ الْحَرَامُ كَالْعَدَمِ لَكِنْ لَوْ كَانَ يَكْسِبُ بِصَنْعَةِ الْمَلَاهِي مَثَلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى وَلَكِنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ عَلَى تَفْوِيتِ عَمَلِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ اهـ. قَالَا أَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَكَسْبُ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ قَدْ بُذِلَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَلْيُلْتَحَقْ بِالْهِبَةِ

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَثْبُتَ) لَوْ عَلِمُوا إعْسَارَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ لَمْ يَكْفِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>