للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّيْخَيْنِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ

، وَقِرَاءَتُهُ لَهَا تَقْرُبُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِتَدَبُّرِهِ وَمَدِّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى ذَلِكَ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إلَيْهِ، وَعَلَى عَدَمِ امْتِدَادِهِ إلَيْهِ. وَبَنَاهُ قَائِلُ الثَّانِي عَلَى الِامْتِدَادِ فَقَطْ (قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَرَجَّحَهُ طَائِفَةٌ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بَلْ هُوَ جَدِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِيهَا أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ.

(وَالْعِشَاءُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِمَغِيبِ الشَّفَقِ) أَيْ الْأَحْمَرِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. (وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ) أَيْ الصَّادِقِ وَسَيَأْتِي لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي امْتِدَادَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى مِنْ الْخَمْسِ، أَيْ غَيْرِ الصُّبْحِ لِمَا سَيَأْتِي فِي وَقْتِهَا (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مَحْمُولٌ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَعَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِيهِ يَجْرِي فِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ كَغَيْرِهَا، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ، فَقَوْلُهُ وَمَدَّ أَيْ طَوَّلَ حَتَّى اسْتَغْرَقَ وَقْتَ الشَّفَقِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَدَّ الْمَخْصُوصَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ قَرُبَ مَغِيبُهُ، فَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ بَعْدُ نَظَرًا لِلْمُرَادِ هُنَا، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَبَنَاهُ قَائِلُ الثَّانِي إلَخْ أَنَّهُ خَصَّ التَّطْوِيلَ بِالْمَدِّ الْمَخْصُوصِ، أَيْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ هَذَا صَرِيحُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَلَا يَتَّجِهُ فَهْمُ خِلَافِهِ وَمَا فِي غَالِبِ الشُّرُوحِ وَالْحَوَاشِي مِنْ مُخَالَفَتِهِ يَنْبَغِي، عَدَمُ الْمَيْلِ إلَيْهِ وَعَدَمُ التَّعْوِيلِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَوْلُهُ: (قُلْت الْقَدِيمُ أَظْهَرُ) وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْعِجْلِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالطَّبَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ، وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَمَّا اعْتَرَضَ بِهِ الْجَدِيدُ مِنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ بِأَنَّ جِبْرِيلَ إنَّمَا يُبَيِّنُ الْأَوْقَاتَ الْمُخْتَارَةَ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ فِي الْمَغْرِبِ مُسَاوٍ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ.

نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ الظُّهْرُ لِمَا مَرَّ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ عِنْدَ قَوْمٍ، كَأَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ مَعَ غُرُوبِهِ اُعْتُبِرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ زَمَنٌ يَغِيبُ فِيهِ شَفَقُ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ، أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ، وَبِمُضِيِّ ذَلِكَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَعَ بَقَاءِ شَفَقِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِقَدْرِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ الْجُزْئِيَّةِ إلَى لَيْلِ الْبَلَدِ الْأَقْرَبِ، مِثَالُهُ لَوْ كَانَ الْبَلَدُ الْأَقْرَبُ مَا بَيْنَ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَطُلُوعِهَا مِائَةَ دَرَجَةٍ وَشَفَقُهُمْ عِشْرُونَ مِنْهَا فَهُوَ خُمُسُ لَيْلِهِمْ فَخُمُسُ لَيْلِ الْآخَرِينَ هُوَ حِصَّةُ شَفَقِهِمْ، وَهَكَذَا طُلُوعُ فَجْرِهِمْ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى عِبَارَتِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ وَتَحْرِيرِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَدِيمُ فَلَهَا خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ حَقِيقَةً وَسَبْعَةُ أَوْقَاتٍ اعْتِبَارًا، وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَجَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُهُ بِقَدْرِ وَقْتِ الْجَدِيدِ، وَوَقْتُ جَوَازِ بِكَرَاهَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ بَعْدَهُ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَلَهَا وَقْتُ عُذْرٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَقْتًا آخَرَ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ مِنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ، وَسَمَّاهُ وَقْتَ جَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا عُلِمَ.

قَوْلُهُ: (ظَاهِرُهُ) أَيْ فَلَيْسَ صَرِيحًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ صَرِيحٌ لِأَنَّ نَفْيَ التَّفْرِيطِ يَلْزَمُهُ كَوْنُهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ مَا قَبْلَ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ فِي الْحَدِيثِ صَلَاةٌ مَعْهُودَةٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ لِعُمُومِ الْمُرَادِ مِنْ الدَّلِيلِ قَوْلُهُ (وَالْعِشَاءُ) وَهِيَ لُغَةً أَوَّلُ اللَّيْلِ، وَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَهُ. قَوْلُهُ: (الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ) فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ إمَّا الذِّهْنِيُّ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، أَوْ الذِّكْرِيُّ هُنَا لِتَقَدُّمِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) وَالْمَشَقَّةُ تُنَافِي الْوُجُوبَ لَا النَّدْبَ. قَوْلُهُ: (عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ الْأَوَّلِ، وَلِلْعِشَاءِ سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةِ أَوَّلِهِ وَاخْتِيَارٍ إلَى آخِرِ

ــ

[حاشية عميرة]

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقِيَاسُ هَذَا الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ فِي الْمَغْرِبِ؛ انْتَهَى.

قُلْت: لَعَلَّهَا فَارَقَتْ غَيْرَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ مُقِرُّ الْأَصَحِّ وَمِنْ ثَمَّ اتَّضَحَ لَك كَوْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ هُوَ تَأْخِيرُهُ غَيْرَ الْمَغْرِبِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ أَيْ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ قُلْنَا فِي الْمَغْرِبِ إذَا خَرَجَ بَعْضُهَا بِالْمَدِّ خِلَافًا لِاخْتِصَاصِهَا عَنْ غَيْرِهَا بِكَوْنِهَا فُعِلَتْ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يُرَدُّ مَا عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَدَّ فِي الْمَغْرِبِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَمَدُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ (وَالْعِشَاءُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ اسْمٌ لِأَوَّلِ الظَّلَامِ سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِيهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ) يُغْنِي هَذَا أَنْ يَقُولَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُلُثِ اللَّيْلِ) يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ اللَّامِ وَإِسْكَانُهَا وَالنِّصْفُ مُثَلَّثُ النُّونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>