للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ (اسْتَحَبَّ إجَابَتَهُ وَقِيلَ تَجِبُ) كَالْإِشْهَادِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَثْبُتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ. (وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) وَيُكْتَبُ عَلَى رَأْسِهَا اسْمُ الْخَصْمَيْنِ. .

(وَإِذَا حَكَمَ) الْقَاضِي (بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ بَانَ) حُكْمُهُ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ أَوْ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ لَا) قِيَاسٌ (خَفِيٍّ) فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لَهُ وَمِنْ الْجَلِيِّ قِيَاسُ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ لِلْوَالِدَيْنِ، فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ، وَمِنْ الْخَفِيِّ قِيَاسُ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعْمِ (وَالْقَضَاءُ) فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِظَاهِرِي الْعَدَالَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ الْحِلُّ بَاطِنًا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهُمَا. وَمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ بَاطِنًا أَيْضًا وَكَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَنْفُذُ بَاطِنًا لِمُعْتَقِدِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِمَا لَا يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ الْأَخْذُ بِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ. .

(وَلَا يَقْضِي) الْقَاضِي (بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ) ، كَأَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَتَلَهُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حَيٌّ فَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا ذَكَرَ.

(وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ) كَأَنْ رَأَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اقْتَرَضَ مِنْ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَى بِهِ أَوْ سَمِعَهُ يُقِرُّ بِهِ وَأَنْكَرَ هُوَ ذَلِكَ فَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ مُصَرِّحًا بِأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَالثَّانِي عَلَّلَ بِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) لِنَدْبِ السَّتْرِ فِي أَسْبَابِهَا وَشَمِلَ غَيْرُ الْمُسْتَثْنِي الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَاذِفِ فَيَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ كَالْمَالِ وَفِي قَوْلٍ لَا؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ يَسْعَى فِي دَفْعِهَا وَلَا يُوَسَّعُ فِيهَا. (وَلَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْت أَوْ شَهِدْت بِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَتَذَكَّرَ)

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ) نَعَمْ يَجِبُ التَّسْجِيلُ جَزْمًا فِي حُكُومَةٍ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ أَنْ يُعْلِمَ الْخَصْمَ أَنَّ الْحُكْمَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِلْقَلْبِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِ حَيًّا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ: (نُسْخَتَانِ) اُنْظُرْ قِرْطَاسُ النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَأُجْرَةُ كِتَابَتِهَا عَلَى مَنْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ) أَوْ خِلَافِ نَصِّ مُقَلِّدِهِ. قَوْلُهُ: (نَقْضُهُ) بِقَوْلِهِ نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته وَهَذَا الْمُعْتَمَدُ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا حُكْمَ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ، وَأَبْدَى بَعْضُهُمْ لَهُ فَوَائِدَ مِنْهَا الزَّوَائِدُ الْحَاصِلَةُ قَبْلَ النَّقْضِ فَهِيَ عَلَى النَّقْضِ لِلثَّانِي، وَعَلَى تَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ لِلْأَوَّلِ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ. وَيُنْدَبُ التَّسْجِيلُ بِالنَّقْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مُسَجَّلًا وَإِلَّا وَجَبَ.

قَوْلُهُ: (لَا بَاطِنًا) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالنِّكَاحُ) فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَى الزَّوْجِ الْمَحْكُومِ لَهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمَا لَا يَحِلُّ إلَخْ) وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدُ يَحِلُّ مَا ذُكِرَ وَلَهُ الدَّعْوَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ. نَعَمْ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْعِدَّةُ أَوْ نَفْيُ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ نَفْيُ بَيْعِ الْعَرَايَا أَوْ مَنْعُ الْقِصَاصِ فِي الْمُثْقَلِ أَوْ صِحَّةُ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ. أَوْ صِحَّةُ نِكَاحِ الشِّغَارِ أَوْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ، أَوْ تَوَارُثٌ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ أَوْ بِاسْتِحْسَانٍ فَاسِدٍ اسْتِنَادًا لِعَادَةِ النَّاسِ، بِلَا دَلِيلٍ نَقَضَ قَضَاؤُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَهُ شَيْخُنَا كَوَالِدِهِ.

فَرْعٌ: قَالَ خَصْمَانِ لِقَاضٍ حَكَمَ بَيْنَنَا فُلَانٌ بِكَذَا فَأَنْقِضْهُ وَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِخِلَافِهِ لَمْ يُجِبْهُمْ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْضِي) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمُجْتَهِدِ وَقَطْعًا فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ عِلْمِهِ) وَلَوْ بِالظَّنِّ وَلَا بِعِلْمِهِ الْمُخَالِفِ لِلْبَيِّنَةِ فَيَتَوَقَّفُ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ) إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَإِلَّا فَلَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ قَطْعًا بَلْ الْبَيِّنَةُ الْمُخَالِفَةُ لَهُ. قَوْلُهُ: (فَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ مُصَرَّحًا بِأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ) فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ. قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ: (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ) وَكَذَا تَعْزِيرٌ قَوْلُهُ: (شَاهِدَانِ) أَوْ أَكْثَرُ مَا لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.

ــ

[حاشية عميرة]

وَقَوْلُهُ السُّنَّةُ أَيْ وَلَوْ آحَادًا، قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ الْإِجْمَاعُ) النَّقْضُ بِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى لَا يَمْنَعُكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ رَجَعْت فِي نَفْسِك وَهُدِيتَ لِرُشْدِك أَنْ تَنْقُضَهُ فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يُنْقَضُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (نَقَضَهُ) يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْجِيلُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ سَجَّلَ بِالْحُكْمِ وَإِلَّا فَيُسَنُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا بَاطِنًا) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ نَفَّذَهُ بَاطِنًا وَأَبَاحَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْوَطْءَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ جَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ الْأَخْذُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ لَكِنْ وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ هُنَا أَنَّهُ قَالَ إنْ قُلْنَا الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا وَإِلَّا نَفَذَ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ النُّفُوذِ الْأَحْكَامُ الَّتِي لَا تُنْقَضُ أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ النُّفُوذُ سَوَاءٌ الَّذِي يُنْقَضُ وَاَلَّذِي لَا يُنْقَضُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْمَتْنُ بِخِلَافِ عِلْمِهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْيَقِينُ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، قِيلَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ بِشَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْهُ يَحْكُمُ بِهَا، وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ قَضَى بِخِلَافِ عِلْمِهِ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ إنَّمَا يَقْضِي بِمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ لَا بِصِدْقِهِمْ فَلَمْ يَقْضِ بِخِلَافِ عِلْمِهِ، وَلَا بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ فَالْعِبَارَتَانِ مُسْتَوِيَتَانِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَقْضِي إلَخْ) أَيْ وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ) تَوَقَّفَ جَمَاعَةٌ فِي الْفَاسِقِ الَّذِي نُفِّذَتْ أَحْكَامُهُ لِلضَّرُورَةِ وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ) بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ اسْتِثْنَاءَ الرِّدَّةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ يُعْمَلْ بِهِ) أَيْ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>