للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَوْبَ مَقْصِدِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَأُلْحِقَ الْمَاشِي بِالرَّاكِبِ وَسَوَاءٌ الرَّاتِبَةُ وَغَيْرُهَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ لِلرَّاكِبِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْمَاشِي لِنُدْرَتِهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْقَصْرِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّفَلَ يَتَوَسَّعُ فِيهِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ. وَيُشْتَرَطُ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَنْ لَا يَكُونَ السَّفَرُ مَعْصِيَةً، وَأَنْ يُقْصَدَ بِهِ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ، فَلَيْسَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَالْهَائِمِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

(فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ) فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ (وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ) ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّاكِبَ ذَلِكَ. (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا) يَجِبُ وَالسَّهْلُ بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً وَأَمْكَنَ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرِيفُهَا أَوْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ وَغَيْرُ السَّهْلِ أَنْ تَكُونَ مَقْطُورَةً وَصَعْبَةً وَالثَّانِي لَا يَجِبُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ السَّيْرَ وَالثَّالِثُ يَجِبُ مُطْلَقًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ.

(وَيَخْتَصُّ) وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ (بِالتَّحَرُّمِ، وَقِيلَ: يَغُطُّ فِي

ــ

[حاشية قليوبي]

التَّحَوُّلُ عَنْهَا لِمُنْعَطَفَاتِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ لِنَحْوِ زَحْمَةٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ سُهُولَةٍ، وَلَا يُكَلَّفَانِ التَّحَفُّظَ وَلَا الِاحْتِيَاطَ، وَلَا عَدَمَ الْعَدْوِ وَلِلرَّاكِبِ الرَّكْضُ لِحَاجَةٍ وَلَوْ لِلُحُوقِ بَعِيدٍ، وَلَوْ وَطِئَتْ الدَّابَّةُ نَجَاسَةً رَطْبَةً مُطْلَقًا أَوْ يَابِسَةً، وَلَمْ يُفَارِقْهَا حَالًا أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً، وَلَوْ يَابِسَةً أَوْ اتَّصَلَ بِهَا نَجَاسَةٌ، وَلَوْ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا أَوْ بَالَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ، فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ وَطِئَ الْمَاشِي نَجَاسَةً عَمْدًا وَلَوْ يَابِسَةً أَوْ رَطْبَةً سَهْوًا، أَوْ يَابِسَةً سَهْوًا وَلَمْ يُفَارِقْهَا حَالًا، أَوْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ لَا لِمَا مَرَّ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

نَعَمْ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى لَا يَضُرُّ بِشَرْطِهِ كَذَرْقِ الطُّيُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُرَادُ بِالْمَاشِي غَيْرُ الرَّاكِبِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ الزَّاحِفِ. قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) دَفَعَ بِهَا تَوَهُّمَ تَرْكِهَا أَوْ صَلَاتِهَا عَلَى الْأَرْضِ لِمَقْصِدِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ) وَأَقَلُّهُ نَحْوُ مِيلٍ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَحَلٌّ لَا يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ فِي الْجُمُعَةِ، وَشَرَطَ شَيْخُنَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَدَّ مُسَافِرًا عُرْفًا وَنُوزِعَ فِيهِ، وَلَهُ التَّنَفُّلُ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ أَوْ الْعُمْرَانِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَقْيِيدِ السَّفَرِ هُنَا بِمَا سَيَأْتِي، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (فِي مَرْقَدٍ) وَمِثْلُهُ كَمَا فِي الْبَهْجَةِ، وَغَيْرِهَا الْمِحَفَّةُ الْمَعْرُوفَةُ وَالسَّفِينَةُ لِغَيْرِ مَلَّاحٍ، وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي سَيْرِ السَّفِينَةِ وَمِثْلُهُ مَسِيرُ الدَّابَّةِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا، وَمَعْنَى الْإِمْكَانِ السُّهُولَةُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّاكِبُ) أَيْ الْمَذْكُورُ وَهُوَ مَنْ فِي الْمَرْقَدِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ الْأَعَمُّ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ إتْمَامُ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَالِاسْتِقْبَالِ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعِهَا، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا، أَوْ سَهُلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَحَدِهِمَا أَوْ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ) أَيْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْآتِيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَجَبَ) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْأَوْجُهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ وَإِنْ سَهُلَ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) هُوَ تَعْمِيمٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَصَحِّ أَيْ سَوَاءٌ سَهُلَ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ، الثَّالِثِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَهُلَ فِي بَعْضِهَا.

قَوْلُهُ: (وَيَخْتَصُّ الِاسْتِقْبَالُ) الَّذِي سَهُلَ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ بِالتَّحَرُّمِ، فَلَا يَلْزَمُهُ فِي غَيْرِهِ مَعَ سُهُولَتِهِ بِدَلِيلِ مَا

ــ

[حاشية عميرة]

كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِقْبَالُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الْأَرْضِ لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَالْقَصْرِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَغْيِيرٌ فِي الصَّلَاةِ نَفْسِهَا وَرَدَ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ هَذَا لِأَجْلِهِ وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ الِانْقِطَاعِ وَاحْتِيَاجُهُ إلَى كَثْرَةِ النَّوَافِلِ وَمُلَازَمَةِ الْأَوْرَادِ مَوْجُودٌ فِي الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ وَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ.

قَالَ أَبُو حَامِدٍ: كَالْمِيلِ وَالْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى حَدٍّ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَخْتَصُّ بِالتَّحَرُّمِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ، أَوْ انْتِظَارِ رَفِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ.

قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيُومِئُ الْمُتَوَجِّهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ سَارَ سَيْرَ الْقَافِلَةِ جَازَ أَنْ يُتِمَّهَا إلَى جِهَةِ مَسِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرِيدُ لِلسَّيْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِلْقِبْلَةِ بَلْ إنْ كَانَ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ قَبْلَ رُكُوبِهِ لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ اهـ.

وَقَوْلُهُ: قَبْلَ رُكُوبِهِ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ الْمُرِيدُ لِلسَّفَرِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَالْحِكْمَةُ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالتَّحَرُّمِ أَنْ يَقَعَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ بِالشُّرُوطِ، ثُمَّ يُجْعَلُ مَا بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ كَالنِّيَّةِ. قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>