الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ (وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ فَعَلَى الْجَمِيعِ قِصَاصٌ) أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، (إنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا فَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا) أَوْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ، (فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَيْهِمْ نِصْفٌ) مِنْهَا.
(وَلَوْ رَجَعَ مُزَكٍّ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ) وَيَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ يُلْجِئُ الْقَاضِيَ إلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إلَى الْقَتْلِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ (أَوْ) رَجَعَ (وَلِيُّ) دَمٍ (وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ أَوْ مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ) عَلَى الْوَلِيِّ وَحْدَهُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَهُمْ مَعَهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ، (وَقِيلَ هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ) لِتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ فَعَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ نِصْفُهَا عَلَى الْوَلِيِّ وَنِصْفُهَا عَلَى الشُّهُودِ وَلَوْ رَجَعَ الْقَاضِي مَعَهُمْ فَثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَثُلُثٌ عَلَى الْوَلِيِّ وَثُلُثٌ عَلَى الشُّهُودِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ مِنْ بُدَاءَةِ الرَّافِعِيِّ بِهِ النَّاقِلِ فِي الشَّرْحِ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَتَرْجِيحَ الثَّانِي عَنْ الْبَغَوِيّ.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ زَادَ: الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ (وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَضَاعٍ) مُحَرِّمٍ (أَوْ لِعَانٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (فَرَجَعَا) عَنْ الشَّهَادَةِ (دَامَ الْفِرَاقُ) .
وَقَوْلُهُمَا الْمُحْتَمَلُ لَا يُرَدُّ بِهِ الْقَضَاءُ (وَعَلَيْهِمْ) هُوَ أَخْصَرُ مِنْ عَلَيْهِمَا، (مَهْرُ مِثْلٍ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ) الْفِرَاقُ (قَبْلَ وَطْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى بَدَلِ الْبُضْعِ الْمُفَوَّتِ وَلَوْ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَا غُرْمَ إذْ لَمْ يُفَوِّتَا شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يُرَاجَعْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْتَحَقَ بِالْبَائِنِ وَوَجَبَ الْغُرْمُ وَقِيلَ لَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الرَّجْعَةِ، (وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ) بَائِنٍ (وَفُرِّقَ فَرَجَعَا فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ) مُحَرِّمٌ (فَلَا غُرْمَ) إذْ لَمْ يُفَوِّتَا.
(وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ) عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ وَدَفَعَهُ (غَرِمُوا فِي الْأَظْهَرِ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ بِشَهَادَتِهِمْ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَإِنْ أَتَوْا بِمَا يُفْضِي إلَى الْفَوَاتِ كَمَنْ حَبَسَ الْمَالِكَ عَنْ مَاشِيَتِهِ حَتَّى ضَاعَتْ وَقَدْ يُصَدِّقُ الْمَشْهُودُ لَهُ الشُّهُودَ فِي الرُّجُوعِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَالِ، (وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ الْغُرْمُ) بِالسَّوِيَّةِ (أَوْ بَعْضِهِمْ وَبَقِيَ) مِنْهُمْ (نِصَابٌ فَلَا غُرْمَ) عَلَى الرَّاجِحِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِمَنْ بَقِيَ، (وَقِيلَ يَغْرَمُ قِسْطَهُ) لِوُقُوعِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ الْمُفَوِّتِ كُلٍّ مِنْهُمْ لِقِسْطِهِ، (وَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ وَلَمْ تَزِدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَالُوا أَخْطَأْنَا فَلَا قِصَاصَ فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ تَعَمَّدْت وَبَعْضُهُمْ أَخْطَأْت فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ إنْ قَالَ أَخْطَأَ صَاحِبِي؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ فِي الْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَزِيدُوا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا فَإِنْ قَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمْ إنْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا كَمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَشِبْهُ عَمْدٍ، قَوْلُهُ: (قِصَاصٌ) أَيْ فِي الْقَتْلِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَفِي الرَّجْمِ وَكَذَا فِي الْجِلْدِ إنْ وَقَعَ فِي وَقْتٍ يُقْتَلُ غَالِبًا كَحُرٍّ وَقَالُوا عَلِمْنَا أَنَّهُ يُجْلَدُ فِيهِ، قَوْلُهُ: (أَوْ دِيَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ بِالْجَلْدِ لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُمْ بَلْ يُعَزَّرُونَ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّونَ إلَخْ) فِيهِ اعْتِبَارُ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَوْلُهُ: (إنْ قَالَ تَعَمَّدْت) وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ أَنْ يَقُولَ وَعَلِمْت أَنَّهُ يُقْتَلُ بِحُكْمِي قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ) بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمْ نِصْفُ) وَيُوَزَّعُ عَلَى رُءُوسِهِمْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَضْمَنُ) أَيْ وَحْدَهُ سَوَاءٌ قَالَ عَلِمْت صِدْقَ الشُّهُودِ، أَوْ كَذِبَهُمْ وَسَوَاءٌ رَجَعُوا مَعَهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَجَعَ الْقَاضِي أَيْضًا، أَوْ لَا وَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُزَكِّينَ قَدْرُ مَا يَلْزَمُ الشُّهُودَ إذَا رَجَعُوا مَعَهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَلَوْ رَجَعَ فَرْعٌ مَعَ أَصْلِهِ اخْتَصَّ الضَّمَانُ بِالْفَرْعِ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا فَانْظُرْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَجَعَ وَلِيٌّ إلَخْ) .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِ الْوَلِيِّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ الشُّهُودِ) أَوْ مَعَ الْقَاضِي وَالْمُزَكِّي أَيْضًا أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ وَمِمَّا يَأْتِي بَعْدَهُ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَجَعَ الْقَاضِي إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ، قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ الْقَاضِي) كَأَنْ يَقُولَ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا أَوْ حَكَمْت بِالْفِرَاقِ أَوْ حَكَمْت بِالتَّحْرِيمِ، قَوْلُهُ: (دَامَ الْفِرَاقُ) .
قَالَ شَيْخُنَا وَالدَّيْمُومَةُ فِي الْبَائِنِ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُخَالِفُهُ، قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمْ) إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ إذْ لَا تَفْوِيتَ، قَوْلُهُ: (مَهْرُ مِثْلٍ) وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمُطَالَبُ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، أَوْ مُبَعَّضًا سَقَطَ، قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ الْغُرْمُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا لَوْ جَرَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَتَرَكَ صَاحِبَهَا ذَبْحَهَا فَعَلَى الْجَارِحِ قِيمَتُهَا، قَوْلُهُ: (فَلَا غُرْمَ) وَيَسْتَرِدَّانِ مَا غَرِمَاهُ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ، وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ بَعْدَ الْحُكْمِ رَجَعَا غَرِمَا مَا نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِأَلْفٍ، وَمَهْرُهَا أَلْفَانِ غَرِمَا أَلْفًا أَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَمَتَهُ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ غَرِمَا كُلَّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ، وَهُوَ لِلسَّيِّدِ كَمَا لَوْ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ بِعِتْقٍ رَقِيقٍ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ غَرِمَا كُلَّ الْقِيمَةِ وَالْغُرْمُ فِي الْمُدَبَّرِ لِلْحَيْلُولَةِ فَيَسْتَرِدَّانِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَالْغُرْمُ فِي الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا إذَا شَهِدَ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِيلَادِ، قَوْلُهُ: (إذْ لَمْ يُفَوِّتَا) فَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الرَّضَاعِ اخْتَصَّ الْغُرْمُ بِهِمْ،.
قَوْلُهُ: (وَدَفَعَهُ) أَيْ الْمَالَ فَقَبِلَ دَفْعَهُ لَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ وَهَلْ الْإِبْرَاءُ كَالدَّفْعِ رَاجِعْهُ، قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَغْرُومَ الْقِيمَةُ وَلَوْ فِي الْمِثْلِيِّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا وَفِي شَرْحِ
ــ
[حاشية عميرة]
الشُّهُودَ وَالْقَاضِيَ كَالْمُشْتَرِكِينَ، وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ بِالْغُرْمِ بِخِلَافِ جُمْلَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّهُمْ كَالْقَاتِلِ الْوَاحِدِ،.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ زَادَ إلَخْ) وَقَضِيَّةُ جَعْلِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَدَمُ أَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ لَا لَمْ يَكُنْ زِيَادَةٌ هَذَا وَجْهُ الْإِتْيَانِ بِلَكِنْ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَا غُرْمَ) أَيْ فَلَوْ كَانُوا غَرِمُوا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ رَجَعُوا بِهِ.
فَرْعٌ: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الرَّضَاعِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْغُرْمِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا مَا لَزِمَ الْأَوَّلِينَ وَرُجُوعُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يُفِيدُ،.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الْمَنْعُ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْيَدِ أَوْ الْإِتْلَافِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: (كَمَنْ حُبِسَ) هُوَ