وَهُمَا أَصْلُ الْفَخِذَيْنِ (نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ) وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (ثُمَّ يَنْحَنِي) هَذَا الْمُصَلِّي قَاعِدًا (لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ) وَهَذَا أَقَلُّ رُكُوعِهِ (وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ) وَرُكُوعُ الْقَاعِدِ فِي النَّفْلِ كَذَلِكَ، وَهُمَا عَلَى وِزَانِ رُكُوعِ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ، وَسَيَأْتِي.
(فَإِنْ عَجَزَ) الْمُصَلِّي (عَنْ الْقُعُودِ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (صَلَّى لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) اسْتِحْبَابًا وَيَجُوزُ عَلَى الْأَيْسَرِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْجَنْبِ (فَمُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَكَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» زَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» ثُمَّ إذَا صَلَّى عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ، وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَتَى بِهَا وَإِلَّا أَوْمَأَ بِهِمَا مُنْحَنِيًا، وَقَرَّبَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ.
(وَلِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (التَّنَفُّلُ قَاعِدًا وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَدَمَيْهِ فَإِنَّهُ إقْعَاءٌ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ جُلُوسٍ يَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ، وَيُكْرَهُ فِيهِ فَرْشُ قَدَمَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا عَلَى وِزَانِ إلَخْ) أَيْ تَقْرِيبًا فِي الْآتِي وَتَحْقِيقًا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى.
قَوْلُهُ: (بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، أَيْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ فِي أَنْوَاعِ الْقُعُودِ. قَوْلُهُ: (صَلَّى لِجَنْبِهِ) أَيْ عَلَيْهِ وُجُوبًا قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابًا) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَيْمَنِ إنْ قَدَرَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَإِلَّا فَوُجُوبًا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ عَلَى الْأَيْسَرِ) وَإِنْ كَرِهَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَيْمَنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ وَجَبَ الْأَيْسَرُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْجَنْبِ) أَيْ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْجَنْبَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَمُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ) وَلَا يَجُوزُ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ إلَّا فِي الْكَعْبَةِ، وَيَظْهَرُ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ فِيهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَقَّفَةً فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ) نَدْبًا إنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلًا أَوْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مُسَقَّفَةٌ وَإِلَّا فَوُجُوبًا. قَوْلُهُ: (أَتَى بِهِمَا) أَيْ تَامَّيْنِ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْمَأَ بِهِمَا) أَيْ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ وُجُوبًا، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِأَجْفَانِهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ، وَيَجِبُ كَوْنُ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْهُ إلَى الرُّكُوعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي بَعْضِهِ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ طَرَأَ الْعَجْزُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَكَمَا مَرَّ مِنْ فِعْلِ الْمُمْكِنِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي هَوِيِّهِ مِنْ الْقِيَامِ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ، وَلَوْ طَرَأَتْ الْقُدْرَةُ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ النُّهُوضُ فَوْرًا لِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ اضْطِجَاعٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ، وَيَجِبُ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا لِمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِهَا، وَلَا يَقْرَأُ فِي نُهُوضِهِ، وَلَا يُنْدَبُ إعَادَتُهَا، وَلَوْ قَدَرَ فِي الرُّكُوعِ مَثَلًا عَلَى الْقِيَامِ قَامَ رَاكِعًا وُجُوبًا، وَلَوْ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ، فَإِنْ انْتَصَبَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ أَوْ فِي الِاعْتِدَالِ عَلَى الْقِيَامِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقِيَامُ إنْ كَانَ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ إلَّا لِنَحْوِ قُنُوتٍ، فَإِنْ قَامَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجِبُ الْقِيَامُ إنْ كَانَ قَبْلَهَا لِيَطْمَئِنَّ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ التَّنَفُّلُ قَاعِدًا) أَيْ مَعَ إتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَهُ الْقِيَامُ فِي أَثْنَائِهِ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ وُجُوبِ الْجُلُوسِ كَالتَّشَهُّدِ الْآخِرِ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ قُعُودُ الْقَائِمِ وَفِي الْقِرَاءَةِ مَا مَرَّ فِي طُرُوُّ الْعَجْزِ أَوْ الْقُدْرَةِ فِي الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مُضْطَجِعًا) أَيْ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ مُضْطَجِعًا عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ فِي الْأَثْنَاءِ مَعَ إتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْضًا بِأَنْ يَقْعُدَ لَهُمَا وُجُوبًا، وَلَهُ الْقُعُودُ أَوْ الْقِيَامُ فِي الْأَثْنَاءِ وَفِي الْقِرَاءَةِ مَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي قَائِمًا أَنْ يَقْرَأَ فِي الْهَوِيِّ لِلرُّكُوعِ، وَلَا فِي النُّهُوضِ لِلْقِيَامِ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ.
ــ
[حاشية عميرة]
الْجَلَسَاتِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) يَعْنِي كَيْفَ شَاءَ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِلْعَجْزِ السَّابِقِ أَوْ لَهُ وَلِلْقُعُودِ مَعًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَيَجُوزُ عَلَى الْأَيْسَرِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُسْتَلْقِيًا) أَيْ وَيَجِبُ رَفْعُ رَأْسِهِ بِوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَكُونَ وَجْهُهُ لِلْقِبْلَةِ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ جَوَازُ الصَّلَاةِ مُسْتَلْقِيًا لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِمُدَاوَاةِ بَصَرِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ وَكَذَا بِحَاجِبِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْحَضْرَمِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى الْأَفْعَالَ عَلَى قَلْبِهِ.
(فَرْعٌ) لَوْ شَرَعَ فِي السُّورَةِ فَعَجَزَ كَمَّلَهَا قَاعِدًا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُهَا لِيَرْكَعَ.