للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ مُسْلِمًا فَابْنُ حِبَّانَ (ثُمَّ التَّعَوُّذُ) لِلْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَيُسِرُّهُمَا) أَيْ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذَ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُسْتَحَبُّ فِي الْجَهْرِيَّةِ الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ (وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ فِيهِ قِرَاءَةً (وَالْأُولَى آكَدُ) مِمَّا بَعْدَهَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي: يَتَعَوَّذُ فِي الْأُولَى فَقَطْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ.

(وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ كُلَّ رَكْعَةٍ) لِحَدِيثِ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَغَيْرِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لِأَنَّ السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ وَهِيَ زُحَلُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمِرِّيخُ وَالشَّمْسُ وَالزُّهْرَةُ وَعُطَارِدُ وَالْقَمَرُ مَثْبُوتَةٌ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَمَا عَدَاهَا فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ الْمُسَمَّى بِالْكُرْسِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالسَّمَوَاتِ مَا يَشْمَلُهُ، وَأَفْرَدَ الْأَرْضَ لِانْتِفَاعِنَا بِالْعُلْيَا مِنْهَا فَقَطْ، وَحَنِيفًا مَائِلًا عَمَّا يُخَالِفُ الدِّينَ الْحَقَّ، أَوْ مُسْتَقِيمًا لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، مُسْلِمًا مُنْقَادًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى أَنَّهُ لِلتَّغْلِيبِ أَوْ مُنَزَّلًا عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ. إنَّ صَلَاتِي الْمَعْرُوفَةَ، وَنُسُكِي عِبَادَتِي، فَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَمَحْيَايَ أَيْ إحْيَائِي، وَمَمَاتِي أَيْ إمَاتَتِي لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، رَبِّ أَيْ مَالِكِ الْعَالَمِينَ الْمَخْلُوقَاتِ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَبِذَلِكَ الْمَذْكُورِ أُمِرْت مِنْ اللَّهِ، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَا مَرَّ، وَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِنَظْمِ الْآيَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إرَادَةِ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ أَوْ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ، بَلْ يَكْفُرُ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ التَّعَوُّذُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَتِحْ وَيَفُوتُ بِهِ الِافْتِتَاحُ وَلَوْ سَهْوًا عَلَى مَا مَرَّ وَيَأْتِي بِهِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْمَدِّ الْجَائِزِ وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ وَالْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ تَابَعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ إلَّا إنْ أَحْرَمَ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ وَلَمْ يَجْلِسْ مَعَهُ فَلَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي هَذِهِ، وَيَحْصُلُ التَّعَوُّذُ بِغَيْرِ الصِّيغَةِ الْمَشْهُورَةِ مِمَّا فِيهِ دَفْعُ الشَّيْطَانِ. قَوْلُهُ: (لِلْقِرَاءَةِ) وَلَوْ بَدَلًا وَكَذَا لِبَدَلِهَا مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَشَمَلَتْ الْقِرَاءَةَ غَيْرَ الْمَطْلُوبَةِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، وَيَتَعَوَّذُ لِلْفَاتِحَةِ لَا لِلسُّورَةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي نَحْوِ مُدَارَسَةٍ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الشَّيْطَانِ) هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ وَهُوَ مِنْ شَاطَ بِمَعْنَى احْتَرَقَ، أَوْ مِنْ شَطَنَ بِمَعْنَى بَعُدَ، لِبُعْدِهِ عَنْ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ، أَوْ عَمَّنْ تَعَوَّذَ وَالرَّجِيمِ بِمَعْنَى الْمَرْجُومِ بِاللَّعْنِ أَوْ الطَّرْدِ أَوْ بِمَعْنَى الرَّاجِمِ بِالْوَسْوَسَةِ. قَوْلُهُ: (كُلَّ رَكْعَةٍ) أَيْ فِي قِيَامِهَا وَلَوْ فِي النَّفْلِ حَيْثُ قَامَ فِيهِ أَوْ فِي بَدَلِهِ، وَلَا تُجْزِيهِ فِي النَّفْلِ الْقِرَاءَةُ فِي نُهُوضِهِ إلَى قِيَامِهِ وَلَا فِي هَوِيِّهِ مِنْهُ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ فِيهِمَا، وَلِغَيْرِهِ كَابْنِ حَجَرٍ فِي الثَّانِي، وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْجُلُوسِ الْجَائِزِ فِيهِ ذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ حَيْثُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ فِيهِ اُعْتُبِرَ حُكْمُهُ بِإِلْزَامِهَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ قِرَاءَةٍ فِي صَلَاةٍ لَكَانَ أَوْلَى، لِيُدْخِلَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي كُلٍّ مِنْ الْقِيَامَيْنِ، وَيَدُلُّ لَهُ التَّعْلِيلُ الْمَشْهُورُ، وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ إلَّا التَّسْمِيَةَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَيَجْهَرُ بِهَا إنْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَلَوْ مِنْ أَثْنَاءِ السُّورَةِ، وَلَا يَتَعَوَّذُ بَعْدَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا.

قَوْلُهُ: (مِمَّا بَعْدَهَا) وَهُوَ مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى فَقَطْ) قَالَ شَيْخُنَا: فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِيهَا فَاتَ فِي الْبَقِيَّةِ، وَلَا يَتَعَوَّذُ لِلسُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ: (كُلَّ رَكْعَةٍ) أَيْ مَرَّةً فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِيهَا مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَقَدْ تَتَعَدَّدُ لِعَارِضٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ كُلَّمَا عَطَسَ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَاحَةِ الْبَدَنِ فَإِذَا عَطَسَ فِي الْقِيَامِ قَرَأَهَا فِيهِ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ شُمُولِ النَّذْرِ لِهَذَا لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ، ثُمَّ عَلَى صِحَّتِهِ إنْ

ــ

[حاشية عميرة]

يُنْتَفَعُ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا بِالطَّبَقَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ السَّمَوَاتِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُوَزَّعَةٌ عَلَيْهَا، وَالْحَنِيفُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَائِلِ الْمُسْتَقِيمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ الْمَائِلُ إلَى الْحَقِّ، وَالْحَنِيفُ أَيْضًا عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، يَقُولُ هَكَذَا وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً، وَمِثْلُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِلْقِرَاءَةِ) فَمَنْ لَا يُحْسِنُهَا يَنْبَغِي عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ فِي حَقِّهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، الشَّيْطَانُ: اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ، أَوْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ، وَالرَّجِيمُ الْمَطْرُودُ وَقِيلَ الْمَرْجُومُ، وَفِي الْإِقْلِيدِ هُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّهُ يَرْجُمُ بِالْوَسْوَسَةِ. قَوْلُهُ: (فَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) هُوَ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذَ إلَخْ) قِيَاسًا عَلَى الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلٍ يُسْتَحَبُّ فِي الْجَهْرِيَّةِ الْجَهْرُ) أَيْ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ وَكَمَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَتَعَوَّذُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) لَوْ تَرَكَهُ عَلَى هَذَا فِي الْأُولَى أَتَى بِهِ فِيمَا بَعْدُ، ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ.

قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>