للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا) إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ.

(وَ) يُسَنُّ (الْخُشُوعُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: ١] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] (وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ) أَيْ تَأَمُّلُهَا قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: ٢٩] (وَالذِّكْرِ) قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ (وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ) لِلذَّمِّ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: ١٤٢] (وَفَرَاغِ قَلْبٍ) مِنْ الشَّوَاغِلِ لِأَنَّهَا تُشَوِّشُ الصَّلَاةَ (وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ) مُخَيَّرًا بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيَمِينِ فِي عَرْضِ الْمَفْصِلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا فِي صَوْبِ السَّاعِدِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى صَدْرِهِ أَيْ آخِرِهِ فَيَكُونُ آخِرُ إلَيْهِ تَحْتَهُ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ وَالسِّينُ فِي الرُّسْغِ أَفْصَحُ، وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ (وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا

ــ

[حاشية قليوبي]

لَا يُكْرَهُ) أَيْ فَيُبَاحُ. نَعَمْ يُنْدَبُ إنْ حَصَلَ بِهِ خُشُوعٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُطْلَبُ، وَيُكْرَهُ إنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، بَلْ يَحْرُمُ إنْ ظَنَّ بِهِ الضَّرَرَ وَيُنْدَبُ فَتْحُ الْعَيْنَيْنِ فِي السُّجُودِ لِيَسْجُدَا مَعَهُ وَكَذَا فِي الرُّكُوعِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الْخُشُوعُ) أَيْ فِي دَوَامِ صَلَاتِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ فَيَكْتَفِي بِوُجُودِهِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَهُوَ سُكُونُ الْجَوَارِحِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ، فَلَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ مَثَلًا كُرِهَ تَسْوِيَتُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الْأَحْيَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَنْ خَشَعَ فِي صَلَاتِهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَخَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ تَأَمُّلُهَا) أَيْ بِمَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا وَلَوْ إجْمَالًا، وَيُنْدَبُ لِلْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ تَرْتِيلُهَا، لِمَا وَرَدَ أَنَّ حَرْفًا بِتَرْتِيلٍ كَحَرْفَيْنِ بِغَيْرِهِ ثَوَابًا، وَيُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْضًا سُؤَالُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ آيَتِهَا، وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ عِنْدَ آيَتِهَا، وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ النَّارِ عِنْدَ آيَتِهَا، وَالتَّسْبِيحُ عِنْدَ آيَتِهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ آيَتِهِ، وَالتَّفَكُّرُ عِنْدَ آيَةٍ فِيهَا مَثَلٌ وَأَنْ يَقُولَ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ عِنْدَ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: ٨] وَ {اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} عِنْدَ آخِرِ تَبَارَكَ وَآمَنْت بِاَللَّهِ عِنْدَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} [المرسلات: ٥٠] وَلَا نَكْذِبُ بِآلَائِك يَا رَبِّ عِنْدَ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] وَغَيْرُهَا وَلَا يَقْصِدُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالذِّكْرِ) أَيْ تَدَبُّرُهُ بِمَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ عَرَفَ مَعْنَاهُ وَلَوْ إجْمَالًا بِخِلَافِ الْقُرْآنِ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: يُثَابُ مُطْلَقًا كَالْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّوَاغِلِ) أَيْ وَلَوْ أُخْرَوِيَّةً أَوْ فِي مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ، وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى حُضُورِ الْقَلْبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْخُشُوعِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَجَعْلُ يَدَيْهِ) أَيْ بَعْدَ حَطِّهِمَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَقَبْلَ إرْسَالِهِمَا، بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهِ وَيُنْدَبُ ذَلِكَ الْجَعْلُ فِي كُلِّ قِيَامٍ أَوْ بَدَلُهُ، وَلَوْ اضْطِجَاعًا إنْ تَيَسَّرَ. قَوْلُهُ: (تَحْتَ صَدْرِهِ) أَيْ بِحِذَاءِ قَلْبِهِ إشَارَةً إلَى حِفْظِ الْإِيمَانِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ) أَيْ بِكَفِّهَا أَوْ زَنْدِهَا لَوْ قُطِعَتْ. قَوْلُهُ: (مُخَيَّرٌ إلَخْ) أَيْ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَسَيَأْتِي الْأَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ) أَيْ قَابِضًا بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهَذَا أَفْضَلُ الْكَيْفِيَّاتِ أَوْ بِلَا قَبْضٍ وَهِيَ بَعْدَهَا فِي الْفَضِيلَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَمَا قَبْلَهُ أَعَمُّ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَرْسَلَ يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَبَثٍ فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ الْعَبَثِ بِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ، وَالْمُرَادُ بِظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى بَعْضُ كُوعِهَا وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ لَا رَأْسَ الزَّنْدِ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَفْصِلُ إلَخْ) أَيْ لَا رَأْسُ عَظْمِ الْكُوعِ. قَوْلُهُ: (وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ) أَيْ بِدِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ

ــ

[حاشية عميرة]

الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ: (لِفِعْلِ الْيَهُودِ لَهُ) وَلِأَنَّهُ خِلَافُ مَا تَقْتَضِيهِ الطَّبِيعَةُ مِنْ اسْتِرْسَالِ الْأَعْضَاءِ فَيَكُونُ مُتَكَلَّفًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا) أَيْ مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْخُشُوعُ) هُوَ السُّكُونُ، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِلِينِ الْقَلْبِ وَكَفِّ الْجَوَارِحِ، وَالْحَدِيثُ فِي شَخْصٍ عَبِثَ فِي صَلَاتِهِ بِلِحْيَتِهِ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ، وَفِي الرَّافِعِيِّ وَجْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَالْعَبَثُ مَكْرُوهٌ حَتَّى لَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ أَوْ طَرَفُ عِمَامَتِهِ كُرِهَ لَهُ تَسْوِيَتُهُ قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَلِّي مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ سُؤَالُ الرَّحْمَةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ الْعَذَابِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفَرَاغُ قَلْبٍ) قِيلَ: إذَا كَثُرَ حَدِيثُ النَّفْسِ أَبْطَلَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَوْ تَفَكَّرَ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا بَأْسَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَعْلُ يَدَيْهِ) أَيْ فِي الْقِيَامِ وَبَدَلِهِ، وَكَذَا فِي الِاضْطِجَاعِ إنْ لَمْ يَشُقَّ. قَوْلُهُ: (مُخَيَّرًا إلَخْ) هُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>