لِمَوَاضِعِ السُّجُودِ فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ.
قَالَ الْبَغَوِيّ (وَأَفْضَلُهُ إلَى بَيْتِهِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» .
(وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ) لِلْإِتْبَاعِ فِي مُكْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرِّجَالِ مَعَهُ لِذَلِكَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ) أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ (وَإِلَّا فَيَمِينُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَنْصَرِفُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ لِأَنَّهَا مَحْبُوبَةٌ.
(وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ) التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى (فَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ) وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الْحَالِ. (وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ) هُوَ (ثِنْتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الثَّانِيَةِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
آخَرَ، وَمِنْ نَفْلٍ لِنَفْلٍ آخَرَ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ لَا لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَحَلِّ صَلَاةٍ لِأُخْرَى لَشَمَلَ الْجَمِيعَ، وَيُنْدَبُ الِانْتِقَالُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِفِعْلٍ خَفِيفٍ لِمَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ قَبْلَهُ: خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ الْفَصْلُ بِكَلَامِ إنْسَانٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا يَسُنُّ لِكُلِّ رَكْعَةٍ مَثَلًا بِغَيْرِ إحْرَامٍ. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُهُ إلَى بَيْتِهِ) أَيْ وَفِعْلُ النَّفْلِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَلِمَنْ بَيْتُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتٍ بِهِ مَسْجِدٌ، وَالِاسْتِخَارَةِ وَالضُّحَى وَإِنْشَاءِ سَفَرٍ وَقُدُومٍ مِنْهُ، وَمَا شَرَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَسُنَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، دَخَلَ وَقْتُهَا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَوْفِ فَوْتِ وَقْتٍ أَوْ تَبْكِيرٍ فِي جُمُعَةٍ، أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ تَعْلِيمٍ أَوْ خَوْفِ تَكَاسُلٍ، أَوْ فِي اعْتِكَافٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَكَثُوا) أَيْ الرِّجَالُ وَلَوْ احْتِمَالًا فَيَشْمَلُ الْخَنَاثَى، وَيَنْصَرِفُ الْخَنَاثَى فُرَادَى قَبْلَ الرِّجَالِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْقِيَاسُ اسْتِحْبَابُ انْصِرَافِهِمْ فُرَادَى، إمَّا قَبْلَ النِّسَاءِ أَوْ بَعْدَهُنَّ لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِمْ فُرَادَى وَهُوَ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ. وَيُسَنُّ لِلنِّسَاءِ الْمُشَاوَرَةُ فِي الِانْصِرَافِ وَيُنْدَبُ انْصِرَافُ الْمُرْدِ كَالْخَنَاثَى بَعْدَهُمْ. قَوْلُهُ: (فَيَمِينِهِ) هُوَ مَجْرُورٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَحَلِّ الصَّلَاةِ، كَبَابِ الْمَسْجِدِ مَثَلًا، وَقِيلَ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ مَكَانِ مُصَلَّاهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ جِهَةُ يَمِينِهِ طَرِيقَهُ الَّتِي جَاءَ مِنْهَا انْصَرَفَ جِهَةَ يَسَارِهِ تَقْدِيمًا لِمُخَالَفَةِ الطَّرِيقِ.
قَوْلُهُ: (وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ) أَيْ بِفَرَاغِهِ مِنْ الْمِيمِ مِنْ عَلَيْكُمْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى. وَلَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْمَأْمُومِ لَهُ فِيهَا، لِأَنَّ الْقُدْوَةَ تَخْتَلُّ بِشُرُوعِهِ فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ خَلْفَ الْإِمَامِ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَأَتْبَاعِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَالْخَطِيبِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَيُنْدَبُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَشْرَعَ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ، بِحَيْثُ يَعْلَمُ الدَّاخِلُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالْقِيَامِ، وَيُنْدَبُ جَعْلُ يَمِينِهِ لِلْقَوْمِ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ إلَّا فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ فِي مُقَابَلَةِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَجْعَلُ يَسَارَهُ إلَيْهِمْ لِئَلَّا يَسْتَدْبِرَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي ذَلِكَ، أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَهُ لِجِهَةِ الْقَبْرِ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَمَامِ الْحُجْرَةِ، وَخَلْفِهَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِلْأَدَبِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَلِلْمَأْمُومِ) أَيْ الَّذِي فَرَغَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِ، لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَلَهُ التَّطْوِيلُ، وَإِنْ كُرِهَ إلَّا فَلْيَقُمْ فَوْرًا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ، فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُمَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ بِقَدْرِ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية عميرة]
الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ التَّعَلُّمِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ فَلْيَفْصِلْ بِكَلَامِ إنْسَانٍ فَفِي مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْ وَصْلِ صَلَاةٍ بِصَلَاةٍ إلَّا بَعْدَ كَلَامٍ أَوْ خُرُوجٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ) قَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} [الدخان: ٢٩] إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ مُصَلَّاهُ مِنْ الْأَرْضِ وَمِصْعَدُ عَمَلِهِ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي أَنْ يَنْتَقِلَ لِلْفَرْضِ مِنْ مَوْضِعِ نَفْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ يَفْتَتِحُهَا مِنْ أَفْرَادِ النَّوَافِلِ كَالضُّحَى وَالتَّرَاوِيحِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِلَّا فَيَمِينُهُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَدْ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالْعِيَادَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَذْهَبَ فِي طَرِيقٍ وَأَنْ يَرْجِعَ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُخَالِفُ مَا هُنَا.
قَوْلُهُ: (التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُولَى حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الثَّانِيَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلِلْمَأْمُومِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ سَهَا.