الْخِلَافَ فِي الْيَسِيرِ، وَأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْكَثِيرِ جَزْمًا.
(وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: ١٢] مُفْهِمًا بِهِ مَنْ يَسْتَأْذِنُ فِي أَخْذِ شَيْءٍ أَنْ يَأْخُذَهُ (إنْ قَصَدَ مَعَهُ) أَيْ التَّفْهِيمَ (قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ) كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ فَقَطْ. (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ. (بَطَلَتْ) بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّ، فَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ، وَفِي الدَّقَائِقِ وَالتَّحْقِيقِ الْجَزْمُ بِالْبُطْلَانِ (وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ) بِهِ (كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: رَحِمَك اللَّهُ) فَتَبْطُلُ بِهِ خِلَافٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَخِطَابُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَضُرُّ كَأَعْلَمُ مِنْ أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
بِخِلَافِ مَا لَوْ غُصِبَتْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (بِنَظْمِ الْقُرْآنِ) أَيْ بِصُورَةِ قُرْآنٍ عَلَى نَظْمِهِ الْمَعْرُوفِ، وَزَادَ لَفْظَ نَظْمٍ لِيَصِحَّ التَّقْسِيمُ، وَسَوَاءً ابْتَدَأَ بِهِ أَوْ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهِ، أَوْ قَالَهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْإِفْهَامِ، وَمِنْهُ (كهيعص) مَثَلًا وَخَرَجَ بِذَلِكَ نَحْوُ (قِ) ، (ص) (ن) وَنَحْوُ يَا إبْرَاهِيمُ، سَلَامٌ، كُنْ، فَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ مَعَ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ سَوَاءً جَمَعَهَا أَوْ فَرَّقَهَا، وَخَرَجَ نَحْوُ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: ٢٧٧] {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٥٧] فَتَبْطُلُ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
قَالَ الْقَفَّالُ وَيَكْفُرُ إنْ تَعَمَّدَ وَاعْتَقَدَ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ مَعَهُ) أَيْ التَّفْهِيمَ قِرَاءَةً أَيْ أَوْ ذِكْرٌ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ قَصْدُ الذَّكَرِ، بِالْقُرْآنِ لَا عَكْسُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا) هَذِهِ مِمَّا يَشْمَلُهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا عَنْهُ لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ. قَوْلُهُ: (كَلَامُ الْمُصَنِّفِ) هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبَ. قَوْلُهُ: (إنَّهَا تَبْطُلُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا لَوْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ) هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا يُشْبِهُ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْقَرِينَةِ، الصَّارِفَةِ كَقِرَاءَةِ الْجُنُبِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ) وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ حَيْثُ خَلَا عَنْ صَارِفٍ أَوْ قَصَدَهُ، وَلَوْ مَعَ الصَّارِفِ كَمَا مَرَّ فِي الْقُرْآنِ، وَمِنْهُ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا يَأْتِي، وَتَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ مِنْ مُبَلِّغٍ أَوْ إمَامٍ جَهَرَا.
قَالَ شَيْخُنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الذِّكْرِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَاكْتَفَى الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ بِقَصْدِ ذَلِكَ، فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، وَمِنْهُ اسْتَعَنْت بِاَللَّهِ أَوْ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ عِنْدَ سَمَاعِ آيَتِهَا، وَمِنْهُ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَشَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ كُلُّ مَا لَفْظُهُ الْخَبَرُ نَحْوُ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ، أَوْ آمَنْت بِاَللَّهِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقِرَاءَةِ، بَلْ قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ لَا يَضُرُّ الْإِطْلَاقُ فِي هَذَا، كَمَا فِي نَحْوِ سَجَدْت لِلَّهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ قَالَ الْغَافِرُ أَوْ السَّلَامُ، فَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ، أَوْ الذِّكْرُ لَمْ تَبْطُلُ وَإِلَّا بَطَلَتْ.
(تَنْبِيهٌ) مِنْ الذِّكْرِ التَّلَفُّظُ بِالْقُرْبَةِ كَنَذْرٍ، وَعِتْقٍ وَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ حَيْثُ خَلَتْ عَنْ خِطَابٍ، وَتَعْلِيقٍ قَالَهُ شَيْخُنَا: كَابْنِ حَجَرٍ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ الْبُطْلَانَ فِي غَيْرِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ، سَوَاءً قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ نَذْرٌ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ نَذَرْت لِلَّهِ كَذَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ مَا ذُكِرَ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَالدُّعَاءُ) غَيْرُ الْمُحَرَّمِ وَلَوْ مَنْظُومًا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ مُسَجَّعًا أَوْ مُسْتَحِيلًا خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ، لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ التَّمَنِّي أَوْ ضِمْنِيًّا نَحْوُ أَنَا الْمُذْنِبُ كَمْ أَحْسَنْت إلَيَّ، وَأَسَأْت وَلَوْ قَالَ النِّعْمَةُ أَوْ الْعَافِيَةُ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الدُّعَاءَ بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ) أَيْ بِالذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ، وَلَوْ لِغَيْرِ عَاقِلٍ كَقَوْلِهِ لِلْقَمَرِ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ، وَمَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَإِبْلِيسَ فِي الصَّلَاةِ: أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ» ، فَلَعَلَّهُ كَانَ سَهْوًا أَوْ قِيلَ وُرُودُ الْمَنْعِ أَوْ مَرْوِيٌّ بِالْحِكَايَةِ، وَتَقَدَّمَ جَوَازُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْمَأْثُورِ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَرَسُولُهُ) أَيْ لَا تَبْطُلُ بِخِطَابِ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ كَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا مُحَمَّدُ.
(تَنْبِيهٌ) يُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ إجَابَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ بِكَثِيرِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ، وَلَوْ مَعَ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ حَيْثُ، لَمْ تَزِدْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ كَخِطَابِهِ، وَالْمُرَادُ بِهَا جَوَابُ كَلَامِهِ، وَلَوْ بِلَا مُنَادَاةٍ فَلَوْ ابْتَدَأَهُ الْمُصَلِّي، بِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِذَا تَمَّتْ الْإِجَابَةُ بِالْفِعْلِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ مَكَانَهُ، وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُجِيبُ إمَامًا، وَلَزِمَ تَأَخُّرُهُ عَنْ الْقَوْمِ أَوْ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِمْ، بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاعٍ، هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ حَالًا، أَوْ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالْمُبْطِلِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِجَابَةِ، أَوْ يُغْتَفَرُ لَهُ عَوْدُهُ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَهُمْ مُتَابَعَتُهُ فِي مَحَلِّهِ الْآنَ، كَشِدَّةِ الْخَوْفِ، فَقَالَ: سُئِلَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ: بِأَنَّ
ــ
[حاشية عميرة]
إلَى الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ غَلَبَهُ الضَّحِكُ أَوْ السُّعَالُ فَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ أَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمُ الْكَلَامِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.
وَهُوَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ يُورَثُ نَظَرًا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَكَتُوا.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ كَالنَّاسِي.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ نَطَقَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ قَدْ يَلْحَقُ بِالْكَلَامِ الْمُضِرِّ لِعَارِضٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ) عَلَّلَهُ غَيْرُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّسْبِيحِ الْوَارِدِ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (وَخِطَابُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَضُرُّ) لَا تَبْطُلُ بِإِجَابَةِ