للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْأَوَّلُ كَحُدُوثِ وَلَدٍ أَوْ مَالٍ لَهُ. وَالثَّانِي كَنَجَاتِهِ مِنْ الْهَدْمِ وَالْغَرَقِ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَاءَهُ شَيْءٌ يَسُرُّهُ خَرَّ سَاجِدًا» ، وَلَا يُسَنُّ السُّجُودُ لِاسْتِمْرَارِ النِّعَمِ. (أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى) كَزَمِنٍ (أَوْ عَاصٍ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ يَتَظَاهَرُ بِعِصْيَانِهِ، رَوَى الْحَاكِمُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ» . وَالسَّجْدَةُ لِذَلِكَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهُ. (وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي) لَعَلَّهُ يَتُوبُ (لَا لِلْمُبْتَلَى) لِئَلَّا يَتَأَذَّى وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا لِحُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِ السُّجُودِ لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً أَوْ ضَرَرًا أَخْفَاهُ.

(وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَشُرُوطِهَا (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُمَا) أَيْ السَّجْدَتَيْنِ. (عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ) بِأَنْ يُومِئَ بِهِمَا لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ. وَالثَّانِي لَا لِفَوَاتِ الرُّكْنِ الْأَظْهَرِ أَيْ السُّجُودِ (فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ عَلَيْهَا قَطْعًا) كَسُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا.

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) أَيْ فِي وَقْتٍ لَا يُتَيَقَّنُ حُصُولُهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَقَّعًا لَهَا قَبْلَهُ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَابْنِ حَجَرٍ: وَقَدْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ عَقِبَ سَبَبِهِ عَادَةً كَرِبْحٍ مُتَعَارَفٍ لِتَاجِرٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (كَحُدُوثِ وَلَدٍ) نَعَمْ لَا تُسَنُّ لَهُ بِحَضْرَةِ عَقِيمٍ، وَكَذَا كُلُّ نِعْمَةٍ بِحَضْرَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا. قَوْلُهُ: (مَالٍ لَهُ) وَكَذَا لِوَلَدِهِ أَوْ صَدِيقِهِ، أَوْ نَحْوِ عَالِمٍ أَوْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا يُقَالُ فِي انْدِفَاعِ النِّقْمَةِ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِمْرَارِ النِّعَمِ) أَيْ النِّعَمِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَدَوَامِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ لِاسْتِغْرَاقِ الْعُمْرِ فِي السُّجُودِ. قَوْلُهُ: (أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى) أَيْ الْعِلْمُ بِهِ وَلَوْ لِأَعْمَى. قَوْلُهُ: (كَزَمِنٍ) وَمِثْلُهُ نَقْصُ عُضْوٍ وَلَوْ خِلْقَةً، أَوْ اخْتِلَالُ عَقْلِ أَوْ ضَعْفُ حَرَكَةٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَاصٍ) وَإِنْ لَمْ يَفْسُقْ كَصَغِيرَةٍ لَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَنْهَجِ بِفَاسِقٍ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَمِنْهُ الْكَافِرُ وَشَافِعِيٌّ يَرَى حَنَفِيًّا يَشْرَبُ نَبِيذًا، وَمِنْهُ رُؤْيَةُ مَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَوْ مَجْلُودٍ فِي زِنًى، وَيَسْجُدُ الْعَاصِي لِرُؤْيَةِ عَاصٍ آخَرَ إلَّا إنْ اتَّحِدَا جِنْسًا وَنَوْعًا وَصِفَةً وَمَحَلًّا وَقَدْرًا. نَعَمْ فِي سُجُودِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ فِي الْقَدْرِ نَظَرٌ، فَتَأَمَّلْهُ.

وَفِي كَلَامِ الْعَبَّادِيِّ عَدَمُ تَصَوُّرِ الِاتِّحَادِ فِي الْعِصْيَانِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (يَتَظَاهَرُ بِعِصْيَانِهِ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا قَالَ: وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَوْ بَعْدَ فِعْلِ مُكَفِّرٍ لَهَا وِفَاقًا لِقَوْلِ السُّبْكِيّ بِهِ، وَالتَّكْفِيرُ بِهِ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، وَعَلَيْهِ فَيَسْجُدُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ الْمُكَفِّرِ، وَلَا يَسْجُدُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ يُخَالِفُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِالسُّجُودِ، لَكِنْ لَا يُظْهِرُهُ لَهُ وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَيُظْهِرُهَا إلَخْ) وَلَوْ اجْتَمَعَ فِيهِ الِابْتِلَاءُ وَالْعِصْيَانُ أَظْهَرَهَا لَهُ وَبَيَّنَ السَّبَبَ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِيهَا، وَمِنْهُ فَوَاتُهَا بِطُولِ الْفَصْلِ أَوْ الْإِعْرَاضِ، وَلَوْ مَعَ قَصْرِهِ وَعَدَمِ قَضَائِهَا إذَا فَاتَتْ وَلَوْ مَنْذُورَةً، وَمِنْهُ تَكَرُّرُهَا بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ، وَلَوْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ كَعَاصٍ فَيَسْجُدُ كُلَّمَا رَآهُ، وَلَهُ جَمْعُ أَسْبَابٍ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَا جَمْعَ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَصِحُّ، وَفَارَقَ الطَّهَارَةَ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّدَاخُلِ. قَوْلُهُ: (فِي كَيْفِيَّتِهَا) شَمِلَ أَرْكَانَهَا وَسُنَنَهَا، وَمِنْهَا النِّيَّةُ فَيَنْوِي سُجُودَ الشُّكْرِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ كَوْنَهُ عَنْ نِعْمَةٍ، أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا بِعَيْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ كَانَ عَنْهُ، وَلَهُ السُّجُودُ لِغَيْرِهِ بِشَرْطِهِ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ وَلَوْ عَقِبَ صَلَاةٍ، وَلَا بِرُكُوعٍ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ، وَلَا بِصَلَاةٍ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ أَوْ بِنِيَّةِ التِّلَاوَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ صُورَةُ الرُّكُوعِ عِنْدَ تَحِيَّةِ الْعُظَمَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ كُفْرٌ وَحَمَلَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَلَى مَنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمْ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ.

ــ

[حاشية عميرة]

الصَّلَاةِ ثُمَّ أَعَادَهَا خَارِجَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا، وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي التَّكْرَارِ يَقْتَضِي طَرْدُهُ هُنَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَرَ إلَخْ) لَوْ قَصَدَ عَدَمَ السُّجُودِ ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْجُدُ أَعْنِي مَعَ قَصْرِ الْفَصْل.

قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُحَرَّرِ إلَخْ) هَذَا الَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظِ الْهُجُومِ فَيُسْتَغْنَى عَنْهُ، ثُمَّ اُنْظُرْ لَوْ طَالَ الزَّمَنُ هَلْ يَسْقُطُ أَوْ لَا؟ . قَوْلُهُ: (كَحُدُوثِ وَلَدٍ إلَخْ) يَقْتَضِي كَلَامُ الْكِفَايَةِ أَنَّ حُدُوثَ النِّعْمَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ كَهِيَ عَلَيْهِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ الْعِلْمُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَنَحْوِهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى أَوْ عَاصٍ) لَوْ رَآهُمَا وَهَجَمَتْ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ مَثَلًا فَهَلْ يَكْفِيه سُجُودٌ وَاحِدٌ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ كَنَظِيرِهِ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ السَّابِقِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَيُفَرَّقُ، وَلَوْ تَأَخَّرَ سُجُودُ الشُّكْرِ عَنْ سَبَبِهِ فَالْوَجْهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ طُولِ الْفَصْلِ وَعَدَمِهِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي إلَخْ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّهُ لَوْ أَسَرَّ فِي الْعَاصِي وَأَظْهَرَ فِي الْمُبْتَلَى حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ، وَقَدْ يُمْنَعُ فِي الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُومِئَ بِهِمَا إلَخْ) صَنِيعُهُ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ صَحَّا لِصَوْبِ الْمَقْصِدِ عَلَيْهَا قَطْعًا وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ ثُمَّ إحْرَامُهُ لِلْقِبْلَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا) رَجَحَ هَذَا فِي الْجِنَازَةِ لِنُدْرَتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>