الْمَذْكُورُ لَا يَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَحَيْثُ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ الْمَشْرُوطِ الْمَذْكُورَةِ يُجْزَمُ بِكَرَاهَةِ الِانْتِظَارِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ، وَبِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ أَيْ بِإِبَاحَتِهِ عَلَى الثَّانِي (وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ جَزْمًا أَيْ يُجْزَمُ بِكَرَاهَتِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَقِيلَ: يُطْرَدُ الْخِلَافُ فِيهِ لِإِفَادَةِ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ.
(وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي) صَلَاةٌ مِنْ الْخَمْسِ (وَحْدَهُ، وَكَذَا جَمَاعَةٌ فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا) فِي الْوَقْتِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ لِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، وَقَالَا:
ــ
[حاشية قليوبي]
الثَّانِي وَهُمَا بِمَعْنَى يُبَاحُ، فَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ صَرِيحَانِ وَالثَّالِثُ ضِمْنِيٌّ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ طُرُقٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ بَعْدُ، فَتَعْبِيرُهُ بِالْمَذْهَبِ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا) نَعَمْ يُنْدَبُ الِانْتِظَارُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِنَحْوِ مَزْحُومٍ، أَوْ لِمُوَافِقٍ تَخَلَّفَ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الرَّكْعَةِ عَلَيْهِ، وَفِي الْقِيَامِ لِمَأْمُومٍ أَحَسَّ بِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَظَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِ بِشُرُوطِ التَّكْبِيرَةِ.
(تَنْبِيهٌ) شَمِلَ الِانْتِظَارُ الْمَذْكُورُ، وَعَدَمُهُ الْجَمَاعَةَ الْمَطْلُوبَةَ وَالْمَكْرُوهَةَ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ إشَارَةٌ إلَى الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ شَارِحِ الْأَصْلِ وَمَا فَهِمَهُ الْجَلَالُ هُوَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ، إذْ الطَّرِيقَةُ الَّتِي فِي الْمَجْمُوعِ هِيَ طَرِيقَةُ الْغَزَالِيِّ الَّتِي اعْتَمَدَهَا فِي وَجِيزِهِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهَا كَالْمُرَكَّبَةِ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي) صَلَاةٌ لَا تَلْزَمُ إعَادَتُهَا، وَلَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، أَوْ صَبِيًّا أَوْ رَقِيقًا فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَمْسِ) وَمِنْهَا الْجُمُعَةُ فَيُعِيدُهَا جُمُعَةً مَنْ أَدْرَكَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا تَصِحُّ إعَادَتُهَا ظُهْرًا وَلَا عَكْسَهُ. نَعَمْ لَوْ أَدْرَكَهَا مَعْذُورٌ بَعْدَ أَنْ صَلَّى ظُهْرَهُ صَلَّاهَا، لَكِنْ لَا يُقَالُ لَهَا مُعَادَةٌ.
قَالَ شَيْخُنَا: لِأَنَّهَا فَرْضُهُ الْآنَ وَتَنْقَلِبُ ظُهْرُهُ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَلِذَلِكَ تَنْعَقِدُ بِهِ لَوْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَرَاجِعْهُ، وَمِنْهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ وَصَلَاةُ السَّفَرِ وَتَجُوزُ إعَادَةُ الْمَقْصُورَةِ تَامَّةً، وَعَكْسُهُ حَضَرًا وَسَفَرًا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي مَحَلِّهِ، وَخَرَجَ بِالْخَمْسِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَمَا يَأْتِي، وَالْوِتْرُ وَإِنْ طُلِبَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ أَوْ نَذْرُهُ، وَالنَّفَلُ الْمُطْلَقُ وَإِنْ نَذَرَهُ فَلَا تَصِحُّ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالتَّحِيَّةِ وَلَا تُنْدَبُ إعَادَةُ النَّفْلِ الْمُؤَقَّتِ وَإِنْ نَذَرَهُ، لَكِنْ تَصِحُّ إعَادَتُهُ. نَعَمْ تُنْدَبُ إعَادَةُ مَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ نَذَرَهُ.
قَوْلُهُ (مَعَ جَمَاعَةٍ) أَيْ فِي جَمَاعَةٍ فَيَكْفِي مَعَهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَإِنْ كَانَا مُعِيدَيْنِ. قَوْلُهُ: (يُدْرِكُهَا) أَيْ الْجَمَاعَةَ فِي جَمِيعِهَا بِأَنْ لَا يَنْفَرِدَ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَتَأْخِيرِ إحْرَامِ إمَامٍ مُعِيدٍ، أَوْ تَأْخِيرِ سَلَامِ مَأْمُومٍ مُعِيدٍ عَنْ سَلَامِ إمَامِهِ، وَلَوْ لِتَمَامِ تَشَهُّدٍ وَاجِبٍ، أَوْ لِإِرَادَةِ سُجُودِ سَهْوٍ أَوْ لِتَدَارُكِ نَحْوِ رُكْنٍ فَاتَهُ فَتَبْطُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُ مَسْبُوقٍ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ يَكْفِي إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ بِجُزْءٍ مِنْهَا، وَلَا بُدَّ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ وَالْخَطِيبِ أَنَّهُ لَا تَتَقَيَّدُ الْإِعَادَةُ بِمَرَّةٍ وَسَيَأْتِي، وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: لَا تَجُوزُ الْإِعَادَةُ إلَّا مَرَّةً فَقَطْ، وَإِنْ جَرَى خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الْأُولَى.
وَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: إذَا جَرَى خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الْأُولَى وَلَوْ مَذْهَبِيًّا قَوِيَ مُدْرِكُهُ جَازَتْ إعَادَتُهَا، وَلَوْ بِالِانْفِرَادِ إذَا أَتَى بِمَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَخُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ صَلَّى فِيهِ، وَتَجُوزُ إعَادَتُهَا ثَالِثًا بِالْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الطَّبَلَاوِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَئِمَّتِنَا: تَجُوزُ الْإِعَادَةُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ وَلَا بِجَمَاعَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْوَقْتِ) أَيْ فِي وَقْتِهَا وَإِنْ كَانَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، وَيَكْفِي فِيهِ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ لَا دُونَهَا لِوُجُودِ الْأَدَاءِ فِيهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ الْجَمَاعَةُ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. وَنُقِلَ عَنْهُ
ــ
[حاشية عميرة]
الرَّجُلِ الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا؟» . قَوْلُهُ: (يُجْزَمُ بِكَرَاهَةِ الِانْتِظَارِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلَيْ الْكَرَاهَةِ، وَلَهُمَا شُرُوطٌ الثَّانِي أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِهِ لِصَدَاقَتِهِ أَوْ شَرَفِهِ كَانَ مَمْنُوعًا جَزْمًا. وَكَذَا إذَا عَمَّهُمْ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ التَّوَدُّدَ وَالِاسْتِمَالَةَ. قَالَ وَحَيْثُ انْتَظَرَ لَا بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ لِلتَّشْرِيكِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ عَلَى قَوْلِ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِإِبَاحَتِهِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ عَوْدُ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَزْمِ بِالْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِهِمَا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَعَ جَمَاعَةٍ) لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصَيْنِ صَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَصَدَا الْإِعَادَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا أَحَدٌ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمَاعَةَ، فَالظَّاهِرُ الِاسْتِحْبَابُ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.
(فَرْعٌ) رُبَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ وُجُوبُ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ كَالْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ) مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ