للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْعِهِ بَلْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَتَوْفِيَةُ ذَلِكَ الْحَقِّ. (وَ) خَوْفِ (مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ مُعْسِرٍ) بِإِضَافَةِ غَرِيمٍ كَمَا قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: الْمَعْنَى أَنْ يَخَافَ مُلَازَمَةَ غَرِيمٍ لَهُ بِأَنْ يَرَاهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَجِدُ وَفَاءً لِدَيْنِهِ.

قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَعَسُرَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ، وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ، وَلَفْظُ الْمُحَرَّرِ أَوْ خَافَ مِنْ حَبْسِ الْغَرِيمِ وَمُلَازَمَتِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَطَفَ الْمُلَازَمَةَ بِأَوْ. (وَعُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا) بِأَنْ يُعْفَى عَنْهَا كَالْقِصَاصِ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى مَالٍ، وَكَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَفْوَ كَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ بِأَنَّ مُوجِبَهُ كَبِيرٌ وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَهَذَا التَّغَيُّبُ طَرِيقٌ إلَيْهِ (وَعُرْيٍ) وَإِنْ وُجِدَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْتَادَهُ (وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ) تَرْحَلُ لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُمْ. (وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) كَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ وَثُومٍ نِيءٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَةُ رِيحِهِ بِغَسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ لِلتَّأَذِّي بِهِ بِخِلَافِ الْمَطْبُوخِ لِقِلَّةِ مَا يَبْقَى مِنْ رِيحِهِ فَيُغْتَفَرُ، وَأَسْقَطَ مِنْ الْمُحَرَّرِ " وَهُوَ نِيءٌ " اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِكَرِيهٍ، وَلَوْ ذَكَرَهُ كَانَ أَوْضَحَ وَأَحْسَنَ.

(وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضَرٍ) أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَإِنْ كَأَنْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لِتَأَلُّمِ قَرِيبِهِ بِغَيْبَتِهِ عَنْهُ (أَوْ مَرِيضٍ) عَطْفٌ عَلَى مُحْتَضَرٍ. (بِلَا مُتَعَهِّدٍ أَوْ) لَهُ مُتَعَهِّدٌ، لَكِنْ (يَأْنَسُ بِهِ) أَيْ بِالْحَاضِرِ لِتَضَرُّرِ الْمَرِيضِ بِغَيْبَتِهِ، فَحِفْظُهُ أَوْ تَأْنِيسُهُ أَفْضَلُ مِنْ حِفْظِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَمْلُوكِ الزَّوْجَةِ وَكُلِّ مَنْ لَهُ مُصَاهَرَةٌ، وَالصَّدِيقُ كَالْقَرِيبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي لَهُ مُتَعَهِّدٌ، أَمَّا الَّذِي لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ فَالْحُضُورُ عِنْدَهُ عُذْرٌ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ التَّمْرِيضُ عُذْرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

نَفْسُ مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصِنٍ وَتَارِكِ صَلَاةٍ وَأَمْوَالِهِمْ. قَوْلُهُ: (بِإِضَافَةِ غَرِيمٍ) أَيْ لِيَكُونَ الْمَخُوفُ مِنْهُ مَذْكُورًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ وَمَا بَعْدَهُ صِفَةٌ لَهُ أَوْ حَالٌ، وَلَكِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُهُ وَيُرَادُ بِالْغَرِيمِ الْمَدِينُ وَالدَّائِنُ وَالْمَخُوفُ مِنْهُ مَحْذُوفٌ. قَوْلُهُ: (وَعَسُرَ إلَخْ) فَلَوْ قَدَرَ عَلَى إثْبَاتِ إعْسَارِهِ وَلَوْ بِيَمِينٍ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا. قَوْلُهُ: (أَيَّامًا) وَإِنْ كَثُرَتْ وَبَلَغَتْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ كَصَبِيٍّ حَتَّى يَبْلُغَ. قَوْلُهُ: (كَالْقِصَاصِ) وَمِثْلُهُ التَّعْزِيرُ وَلَوْ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: (كَحَدِّ السَّرِقَةِ) وَكُلِّ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَفْوَ كَحَدِّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّخْفِيفُ) أَيْ بِجَوَازِ الْغَيْبَةِ الْمُؤَدِّي لِلتَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: (وَأَجَابَ) أَيْ الْإِمَامُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى.

قَوْلُهُ: (وَعُرِّيَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ تَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ، وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّشْدِيدِ، وَالْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ وُجُودِ لِبَاسٍ لَائِقٍ بِهِ وَمِثْلُهُ عَدَمُ وُجُودِ مَرْكُوبٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِسَفَرٍ لِغَيْرِ نُزْهَةٍ) وَيَكْفِي مُجَرَّدُ الْوَحْشَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) كَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَبَصَلٍ وَفُجْلٍ وَأَكْلُهَا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاجِحِ. وَكَذَا فِي حَقِّنَا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، وَيُكْرَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ أَكَلَهَا.

نَعَمْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَى إزَالَةِ رِيحِهَا وَلَا لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الِاجْتِمَاعَ مَعَ النَّاسِ، وَيَحْرُمُ أَكْلُهَا بِقَصْدِ إسْقَاطِ وَاجِبٍ مِنْ ظُهُورِ شِعَارٍ أَوْ جُمُعَةٍ. وَيَجِبُ السَّعْيُ فِي إزَالَةِ رِيحِهَا وَيَجِبُ الْحُضُورُ وَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ بِهِ، وَيُصَلِّي مُعْتَزِلًا وَحْدَهُ. وَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ بِالنَّيْءِ تَبِعَ فِيهِ الْجُمْهُورَ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: إنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِظُهُورِ رِيحِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ نِيئَةً أَوْ مَطْبُوخَةً أَوْ مَشْوِيَّةً.

(تَنْبِيهٌ) يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ بِهِ رِيحٌ كَرِيهٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ كَبَخَرٍ وَصُنَانٍ وَجِرَاحٍ مُنْتِنَةٍ.

(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ بَعْضُ الثِّقَاتِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْفُجْلَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ الطَّاهِرِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيحُهُ وَلَا يَتَجَشَّى مِنْهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ لَوْ عَلِمَ آكِلُ رُءُوسِ الْفُجْلِ مَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ لَمْ يَعَضَّ عَلَى رَأْسِ فُجْلَةٍ، قَالَ: وَمَنْ أَكَلَ عُرُوقَهُ مُبْتَدِئًا بِأَطْرَافِهَا لَا يَتَجَشَّى مِنْهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لِتَأَلُّمِ قَرِيبِهِ) أَيْ الْحَيِّ بِغَيْبَتِهِ عَنْ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِالْحَاضِرِ) وَلَوْ بِظَنِّ الْحَاضِرِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّدِيقُ) وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ وَالْمَمْلُوكُ وَالْمُعْتِقُ وَالْعَتِيقُ وَالْأُسْتَاذُ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَشْمَلُهُ قَوْلُ

ــ

[حاشية عميرة]

بِإِضَافَةِ غَرِيمٍ) أَيْ فَيَكُونُ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ وَخَوْفِ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ مُعْسِرٍ إيَّاهُ أَيْ الْمُعْسِرِ. وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّنْوِينُ مَعَ نَصْبِ مُعْسِرٍ أَوْ مَعَ جَرِّهِ أَيْضًا وَعَلَى الْأَخِيرَةِ يَكُونُ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفًا. قَوْلُ الْمَتْنِ:

(وَعُرْيٍ) يُقَالُ فَرَسٌ عُرْيٌ أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ أَيْضًا عَرِيَ مِنْ ثِيَابِهِ إذَا تَعَرَّى كَعَمِيَ، يَعْرَى عَرِيًّا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَجُوزُ قِرَاءَةُ عِبَارَةِ الْكِتَابِ بِالْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَأَحْسَنَ) أَيْ لِأَنَّ الْمَطْبُوخَ مِنْ الثُّومِ مَثَلًا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَلَكِنْ اُغْتُفِرَتْ لِقِلَّتِهَا أَيْ فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالْكَرِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ. قَوْلُهُ: (عَطْفٌ عَلَى مُحْتَضَرٍ) يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إخْرَاجُ الْأَجْنَبِيِّ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُتَعَهِّدِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>