مِنْ الْفَضَائِلِ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ أَنْ لَا يُحَافِظَ عَلَى الشَّرَائِطِ.
(وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ) أَيْ الْأَكْثَرِ قُرْآنًا (وَالْأَوْرَعِ) أَيْ الْأَكْثَرِ وَرَعًا، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ بِالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْأَفْقَهِ لِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ فِيهَا، وَقِيلَ: الْأَوْرَعُ أَوْلَى مِنْ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى كَثِيرِ الْفِقْهِ فَنَادِرٌ، وَقِيلَ: يَسْتَوِي الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ لِتَقَابُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ، وَقِيلَ الْأَقْرَأُ أَوْلَى مِنْ الْآخَرَيْنِ، حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَدُلُّ لَهُ فِيمَا قَبْلُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي الْمُسْتَوِينَ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ كَالْفِقْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ، فَالْحَدِيثُ فِي تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَوِينَ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَهْمًا مِنْ الشَّرْحِ أَنَّ الْأَقْرَأَ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوْرَعِ عَنْهُ الْجُمْهُورُ.
(وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ) فَعَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ بَابِ أَوْلَى. أَمَّا الْأَفْقَهُ فَلِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْأَقْرَأُ فَإِلْحَاقًا، وَالْمُرَادُ بِالْأَسَنِّ مَنْ يَمْضِي عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ زَمَنٌ أَكْثَرُ مِنْ زَمَنِ الْآخَرِ فِيهِ، وَبِالنَّسِيبِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ.
(وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ) لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ وَالثَّانِي فِي آبَائِهِ، وَفَضِيلَةٌ بِالذَّاتِ أَوْلَى، وَالْقَدِيمُ تَقْدِيمُ النَّسِيبِ لِأَنَّ فَضِيلَتَهُ مُكْتَسَبَةٌ بِالْآبَاءِ، وَفَضِيلَةُ الْآخَرِ مُضِيُّ زَمَنٍ لَا اكْتِسَابَ فِيهِ وَالْفَضِيلَةُ الْمُكْتَسَبَةُ أَوْلَى.
ــ
[حاشية قليوبي]
فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْوَاقِفِ أَوْ النَّاظِرِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي الْإِمَامَةِ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَفَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ، وَلَا يَصِحُّ نَصْبُهُ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَلُومُ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُ مَنْ يَتَّهِمُهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ بِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إمَامًا. وَلَا يُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: وَيُكْرَهُ إمَامَتُهُ إلَى آخِرِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (الْأَفْقَهَ) أَيْ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَمَحَلُّ هَذَا التَّقْدِيمِ فِي الْمُسْتَوَيَيْنِ فِي الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَكْثَرِ قُرْآنًا) أَيْ الْأَكْثَرِ حِفْظًا بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالسَّلَامَةِ مِنْ اللَّحْنِ وَتَغْيِيرِ أَوْصَافِ الْحُرُوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ أَوْلَى، وَيُقَدَّمُ مَنْ تَمَيَّزَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْوَرِعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْعِفَّةِ تَرْكُ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَبِحَسَنِ السِّيرَةِ الذِّكْرُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَأَعْلَى الْوَرَعِ الزُّهْدُ كَمَا قَالُوا: وَفِيهِ بَحْثٌ دَقِيقٌ وَهُوَ تَرْكُ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَلَالِ وَقَبْلَهُ مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ، وَلَعَلَّهَا مِنْ أَقْسَامِ الْوَرَعِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فَيُقَدَّمُ مِنْهَا الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى فَصَحَّ التَّعْبِيرُ فِيهِ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ بِقَوْلِهِ الْأَكْثَرِ وَرَعًا فَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ مَرْتَبَةٌ أَعْلَى مِنْهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَالْفِقْهِ) أَيْ فِقْهِ السُّنَّةِ بَعْدَ فِقْهِ الْقُرْآنِ وَحِينَئِذٍ فَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَأِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةِ قِرَاءَتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةِ فِقْهِهِ اللَّازِمِ لَهَا فَإِذَا اسْتَوَيَا فِيهَا، وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَقْرَأَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ يَمْضِي إلَخْ) أَيْ فَيُقَدَّمُ
ــ
[حاشية عميرة]
لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ثُمَّ إنَّ آخِرَ كَلَامِهِ كَمَا تَرَى يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَتْ الْخُنُوثَةُ ثُمَّ الِاتِّضَاحُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّتْ.
وَإِنْ تَأَخَّرَ الِاتِّضَاحُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ لِلتَّرَدُّدِ فِي حَالِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ الْخُنُوثَةَ وَبِهِ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ. حَيْثُ قَالَ بِخُنْثَى فِي ظَنِّهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي قَائِلًا بِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مَعَ عِلْمِ الْخُنُوثَةِ وَأَنَّ الْقَضَاءَ وَعَدَمَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْعَدْلُ أَوْلَى إلَخْ) مَا سَلَف إلَى هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِمَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ فِيمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ) أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَكْثَرَ قُرْآنًا) يَعْنِي فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَكْثَرَ تِلَاوَةً، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَقَلُّ قُرْآنًا أَصَحَّ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِ يَلْحَنُ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْإِقْلِيدِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ بِتَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ أَكْثَرُ قُرْآنًا كَأُبَيٍّ وَمُعَاذٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي زَيْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ جَمَعَ الْقُرْآنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ دَلِيلٌ جَيِّدٌ اهـ.
أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْآتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْكِلُ عَلَيْهِ هَذَا الدَّلِيلُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ فِيهَا) بِخِلَافِ الَّذِي يَجِبُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَحْصُورٌ وَالْوَقَائِعُ لَا تَنْحَصِرُ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَقْرَأُ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ يَخْتَصَّانِ بِالصَّلَاةِ الْأَوَّلُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا، وَالثَّانِي شَرْطٌ فِيهَا بِخِلَافِ السِّنِّ وَالنَّسَبِ وَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ إلَخْ) لَمْ يَسْتَدِلَّ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ كِبَرُ السِّنِّ الْمَعْرُوفُ