الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا جَمِيعًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» . قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ (وَالْجَدِيدُ مَنَعَهُ تَأْخِيرًا) لِأَنَّ الْمَطَرَ قَدْ يَنْقَطِعُ قَبْلَ أَنْ يَجْمَعَ وَالْقَدِيمُ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ فَيُصَلِّي الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْمَطَرُ أَمْ انْقَطَعَ قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ.
وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ، وَيُصَلِّي الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا (وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ وُجُودُهُ) أَيْ الْمَطَرِ (أَوَّلُهُمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ لِيُقَارِنَ الْجَمْعُ الْعُذْرَ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى) أَيْضًا لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ. وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْمَطَرِ وَضَعِيفُهُ إذَا بَلَّ الثَّوْبَ (وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا) لِبَلِّهِمَا الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ يَذُوبَا فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِهِمَا (وَالْأَظْهَرُ تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ) بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ فِي كِنٍّ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ بِبَابِ دَارِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ كَغَيْرِهِ عَنْهُ. وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ هُوَ لَفْظُ الْمُحَرَّرِ وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ الْأَظْهَرُ تَبَعًا لِأَصْلِهَا.
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ، وَتَخْتَصُّ بِاشْتِرَاطِ أُمُورٍ فِي لُزُومِهَا وَأُمُورٍ فِي
ــ
[حاشية قليوبي]
جَمْعَ بِهَا وَكَذَا الْمَرَضُ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضِ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بِهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمُفْتِي بِهِ، وَنَقَلَ أَنَّهُ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ عَمَلِ الشَّخْصِ بِهِ لِنَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمَرَضِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا وَعِنْدَ سَلَامِهِ مِنْ الْأُولَى وَبَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْمَطَرِ. قَوْلُهُ: (سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا) أَيْ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَذَكَرَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَقُولَ جَمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لِأَجْلِ دَفْعِ تَوَهُّمِ جَوَازِ الْقَصْرِ مَعَ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (أَرَى ذَلِكَ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا أَيْ أَظُنُّ أَوْ أَعْتَقِدُ وَرِوَايَةُ. وَلَا مَطَرَ شَاذَّةٌ أَوْ يُرَادُ وَلَا مَطَرَ كَثِيرٌ وَدَائِمٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي التَّهْذِيبِ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ) هَذَا الشَّرْطُ بَدَلُ السَّفَرِ فِي الْمُسَافِرِ وَإِنْ لَمْ يَسْلُوهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ مِثْلِ مَا هُنَا فِي السَّفَرِ.
قَوْلُهُ: (وُجُودُهُ) أَيْ الْمَطَرِ يَقِينًا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، أَوْ ظَنًّا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فَإِنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ بَطَلَ الْجَمْعُ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ. قَوْلُهُ: (لِيَتَّصِلَ) أَيْ فَالِاتِّصَالُ شَرْطٌ فَلَوْ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا بَطَلَ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ) قَالَ شَيْخُنَا إلَّا إنْ كَانَ قِطَعًا كِبَارًا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ: (جَمَاعَةً) أَيْ وَلَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَاكْتَفَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِالْجَمَاعَةِ حَالَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ صَلَّى الْأُولَى مُنْفَرِدًا عِنْدَهُمَا كَبَقِيَّةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (يَتَأَذَّى) أَيْ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ النَّاسِ، نَعَمْ لِإِمَامِ الْمَسْجِدِ وَمُجَاوِرِيهِ الْجَمْعُ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ جَمْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَطَرِ مَعَ قُرْبِ بَيْتِهِ لِلْمَسْجِدِ أَوْ مُلَاصَقَتِهِ لَهُ. وَلِلْمُنْفَرِدِ الْجَمْعُ فِي الْمَسْجِدِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ) لَيْسَ الْمَسْجِدُ قَيْدًا وَالْمُرَادُ مَحَلُّ الْجَمَاعَةِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي رَاتِبَةً بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ وُجُوبًا فِي التَّقْدِيمِ وَنَدْبًا فِي التَّأْخِيرِ. وَكَذَا لَا يُقَدِّمُ رَاتِبَةَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى مُطْلَقًا وَلَهُ تَأْخِيرُ رَوَاتِبِ الْأُولَى الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ كَالْمُتَأَخِّرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّوَاتِبَ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ أَرَادَ مِنْ تَرْتِيبٍ وَعَدَمِهِ وَجَمْعٍ فِي إحْرَامٍ وَعَدَمِهِ لَكِنْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ رَاتِبَتَيْ صَلَاتَيْنِ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ.
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هِيَ صَلَاةٌ أَصْلِيَّةٌ تَامَّةٌ عَلَى قَدْرِ الْمَقْصُورَةِ. وَقِيلَ: ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا أَوْ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ
ــ
[حاشية عميرة]
فَرَاغِ الْأُولَى:
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَخْ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِصْحَابِ الْمَطَرِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْبَقَاءُ وَإِنْ أَوْهَمَ تَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ خِلَافَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَذُوبَا فَلَا إلَخْ) اسْتَثْنَى فِي الشَّامِلِ مَا إذَا كَانَ الْبَرْدُ قِطَعًا كِبَارًا وَخَافَ مِنْ السُّقُوطِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ) وَقَوْلُهُ: عَنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِانْتِقَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي عَنْهُ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: يَتَرَخَّصُ.