للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ السَّبَبِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْبِرَ بِتَنَجُّسِ مَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عِنْدَ الْمُخْبَرِ.

(وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ النَّجِسِ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَمَائِعٍ لِتُنَجِّسْهُمَا بِهِ. (إلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً) أَيْ إنَاءَهُمَا (فَيَحْرُمُ) اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (اتِّخَاذُهُ) أَيْ اقْتِنَاؤُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ. وَالثَّانِي لَا اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّهْيِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ. (وَيَحِلُّ) الْإِنَاءُ (الْمُمَوَّهُ) أَيْ الْمَطْلِيُّ بِذَهَبٍ أَوْ

ــ

[حاشية قليوبي]

الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ هُوَ الطَّاهِرُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ لِمُوَافَقَةِ فِعْلِهِ لِمَا فِي الْوَاقِعِ، وَلَيْسَتْ كَمَا لَوْ هَجَمَ كَمَا لَا يَخْفَى.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْفَقِيهِ الْمُخَالِفِ) أَوْ الْمَشْكُوكِ فِي فِقْهِهِ أَوْ فِي مُخَالَفَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَعْتَمِدْهُ) أَيْ فَيَتَوَقَّفُ وَلَا يُلْغِي خَبَرَهُ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ.

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي شَرْطِ الِاجْتِهَادِ السَّلَامَةُ مِنْ التَّعَارُضِ، فَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ هُنَا مُخْبِرَانِ قَدَّمَ الْأَكْثَرَ فَالْأَوْثَقَ فَالْمُبَيِّنَ لِلسَّبَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحٌ تَسَاقَطَا وَرَجَعَ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ.

(فُرُوعٌ) يُعْمَلُ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ فِيمَا غَلَبَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ كَثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْجَزَّارِينَ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ رَفَعَ نَحْوَ كَلْبٍ رَأْسَهُ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ وَفَمُهُ رَطْبٌ لَمْ يُحْكَمْ بِتَنَجُّسِ مَا فِي الْإِنَاءِ إنْ احْتَمَلَ تَرْطُبُ فَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْبَقْلُ النَّابِتُ فِي النَّجَاسَةِ طَاهِرٌ، وَمَا لَاقَى النَّجَاسَةَ مِنْهُ مُتَنَجِّسٌ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَلَوْ وُجِدَتْ قِطْعَةُ لَحْمٍ مَرْمِيَّةٌ أَوْ مَكْشُوفَةٌ فَهِيَ نَجِسَةٌ أَوْ مَصُونَةٌ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي بَلَدٍ غَلَبَ فِيهَا الْمَجُوسُ وَإِلَّا فَطَاهِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ إلَخْ) هُوَ شُرُوعٌ فِي وَسِيلَةِ الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ ظُرُوفُ الْمِيَاهِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْمُرَادُ بِالْحِلِّ مَا قَابَلَ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ وَلِمَا يَأْتِي فِي الْكَرَاهَةِ، فَخَرَجَ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَالْمُرْتَدِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفَارَقَ جَوَازَ إغْرَاءِ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَةِ الْمُهْدَرِ نَظَرًا لِلرَّدْعِ فِيهِ، إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ عَلَيْهِمَا وَلِنَفْيِ تَوَهُّمِ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِمَا أَخْذًا مِنْ نَفْيِ كَرَاهَةِ الْمُشَمَّسِ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ، وَلِكَوْنِ الْحُرْمَةِ فِيهِمَا لِذَاتِهِمَا، وَلِذَلِكَ حُرِّمَا وَلَوْ عَلَى مَالِكِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، فَالْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَارِضٍ، وَمَنْ قَيَّدَ الْحِلَّ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ لِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ أَرَادَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ كَمَا مَرَّ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْقَطِعًا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كُلِّ إنَاءٍ) أَيْ مَا يُسَمَّى إنَاءً عُرْفًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ تَوَضَّأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَنٍّ مِنْ جِلْدٍ، وَمِنْ قَدَحٍ مِنْ خَشَبٍ، وَمِنْ مِخْضَبٍ مِنْ حَجَرٍ، وَالشَّنُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ كَالرَّكْوَةِ، وَالْمِخْضَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ إنَاءٌ كَالْقَدَحِ، وَالْإِنَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ آنِيَةٌ وَجَمْعُ آنِيَةٍ أَوَانٍ قَوْلُهُ: (مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ فِيهِ قِيلَ وَمَحَلُّهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي مَاءٍ قَلِيلٍ) أَيْ إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَضَمُّخٌ بِنَجَاسَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ كَالْبَوْلِ فِيهِ الْمُصَرَّحُ بِكَرَاهَتِهِ فَقَطْ وَلَوْ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَائِعٍ) إلَّا لِحَاجَةٍ كَوَضْعِ دُهْنٍ فِي إنَاءِ عَاجٍ لِلْوَقُودِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ نَجَسٍ جَافٍّ فِي جَافٍّ. قَوْلُهُ: (إلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً) فَيَحْرُمُ إنْ لَمْ يَصْدَآ وَإِلَّا فَكَالْمُمَوَّهِ. قَوْلُهُ: (إنَاءَهُمَا) وَمِنْهُ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِرْوَدُ وَالْخِلَالُ وَالْمَجَرَّةُ وَالْمِلْعَقَةُ وَالْمُشْطُ وَالْإِبْرَةُ وَنَحْوُهَا.

(فَرْعٌ) يَحْرُمُ تَوَسُّدُ قِطْعَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَتَوَسُّدُ إنَائِهِ أَوْ الْوَزْنُ بِقِطْعَةٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُهَيَّأْ. قَوْلُهُ: (لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ إلَخْ) عُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ الْآنِيَةَ اسْمٌ لِمَا يُعَدُّ لِلشُّرْبِ، وَالصَّحْفَةُ اسْمٌ لِمَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَعَمْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ لِنَحْوِ تَدَاوٍ كَمِرْوَدِ ذَهَبٍ لِجَلَاءِ الْبَصَرِ، وَخَرَجَ بِالْآنِيَةِ رَأْسُ نَحْوِ كُوزٍ لَا يَصْلُحُ لِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهَا فَلَا يَحْرُمُ.

(فَرْعٌ) مِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ مُلَاقَاةُ الْمَاءِ بِفَمِهِ مِنْ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ إنْ قَرُبَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لَهُ عُرْفًا.

(فَائِدَةٌ) طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ حُرْمَةٍ أَنْ يُفْرِغَ مَا فِيهِ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ فِي كَفِّهِ لَا بِقَصْدِ اسْتِعْمَالِهِ، ثُمَّ يَسْتَعْمِلَهُ. قَوْلُهُ: (اقْتِنَاؤُهُ) خَرَجَ بِهِ اتِّخَاذُهُ لِإِجَارَتِهِ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلِنَحْوِ تِجَارَةٍ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ الْإِنَاءُ الْمُمَوَّهُ)

ــ

[حاشية عميرة]

تَغَيَّرَ ظَنُّهُ فِيهِ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا) لَوْ شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُخَالِفِ، وَكَذَا الشَّكُّ فِي الْفِقْهِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فِيمَا يَظْهَرُ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>