للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (أَوْ) مَوْضِعٍ (مُرْتَفِعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي بُلُوغِ صَوْتِ الْخَطِيبِ عَلَيْهِ النَّاسَ. وَيُسَنُّ كَوْنُ الْمِنْبَرِ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَذَلِكَ أَيْ عَلَى يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمِحْرَابِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ. (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) الْمِنْبَرَ (وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَجْلِسَ) بَعْدَ السَّلَامِ (ثُمَّ يُؤَذَّنَ) بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ رَوَى الْأَخِيرَ أَيْ التَّأْذِينَ حَالَ الْجُلُوسِ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا قَبْلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَيَجْلِسُ وَيَشْتَغِلُ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ كَمَا جَلَسَ، وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ وَالْمُرَادُ بِصُعُودِ الْمِنْبَرِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ يَبْلُغَ فِي صُعُودِهِ الدَّرَجَةَ الَّتِي تَلِي مَوْضِعَ الْجُلُوسِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَرَاحِ. وَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ» .

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ فِيهِ: وَيَلْزَمُ السَّامِعِينَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ

(وَ) يُسَنُّ (أَنْ تَكُونَ) الْخُطْبَةُ (بَلِيغَةً) لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً فَإِنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ (مَفْهُومَةً) أَيْ قَرِيبَةً مِنْ الْأَفْهَامِ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً فَإِنَّهَا لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ. (قَصِيرَةً) لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ تُمِلُّ. وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» . بِضَمِّ الصَّادِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالْوَجِيزِ مَائِلَةٌ إلَى الْقِصَرِ أَيْ مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» . أَيْ مُتَوَسِّطَةً (وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَ) لَا (شِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا) بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا

ــ

[حاشية قليوبي]

احْتَرَقَ أَبْدَلَهُ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ الْيَمَنِ بِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَبْدَلَهُ الظَّاهِرُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَبْدَلَهُ الْمُؤَيَّدُ شَيْخٌ بِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَبْدَلَهُ الظَّاهِرُ خَوْش قَدِمَ بِغَيْرِهِ فَلَمَّا احْتَرَقَ أَبْدَلَهُ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ قَايِتْبَايْ طَابَ ثَرَاهُ بِالْمِنْبَرِ الرُّخَامِ الْمَوْجُودِ الْآنَ عَلَى صِفَةِ مِنْبَرِ مُعَاوِيَةَ تَقْرِيبًا. قَوْلُهُ: (أَوْ مُرْتَفَعٍ إلَخْ) أَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَفَعٌ أَسْنَدَ الْخَطِيبُ ظَهْرَهُ إلَى خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَنِدُ إلَى الْجِذْعِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ سِوَارِي مَسْجِدِهِ. وَيُقَالُ لَهُ الْعَذْقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلنَّخْلَةِ وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِلْغُصْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ عَمَلِهِ الْمِنْبَرَ الْمَذْكُورَ فَلَمَّا فَارَقَهُ الْمِنْبَرَ حَنَّ كَحَنِينِ الْعِشَارِ فَنَزَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْتَزَمَهُ وَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَغْرِسَهُ فَيَعُودَ أَخْضَرَ أَوْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ، فَاخْتَارَ الْجَنَّةَ فَوَعَدَهُ بِهَا فَسَكَنَ، ثُمَّ دُفِنَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ الشَّرِيفِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَاسْتَمَرَّ عِنْدَهُ حَتَّى أَكَلَتْهُ الْأَرْضُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمِحْرَابِ) بَعِيدًا عَنْهُ بِنَحْوِ ذِرَاعَيْنِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) وَكَذَا كُلُّ صَفٍّ مَرَّ عَلَيْهِ قُبَالَتَهُ، وَلَا تُطْلَبُ لَهُ التَّحِيَّةُ إنْ حَضَرَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ فِي مَقَاصِدِ التَّحْدِيثِ، وَلِذَلِكَ طُلِبَ كَوْنُ الْمِنْبَرِ فِي صَدْرِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِدْبَارُ خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَيُنْدَبُ لَهُ اسْتِقْبَالُهُمْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَاعْتَمَدَهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الذَّالِ) دَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَوْدِ ضَمِيرِهِ لِلْخَطِيبِ عِنْدَ كَسْرِهَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا. وَيَعُودُ الضَّمِيرُ لِلْمُؤَذِّنِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ. وَيُنْدَبُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ وَاحِدًا كَالْمُقِيمِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) هِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِإِفَادَتِهَا مُقَارَنَةَ الْأَذَانِ لِلْجُلُوسِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ.

(فَرْعٌ) اتِّخَاذُ الْمَرْقَى الْمَعْرُوفِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَثِّ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمُكَرَّمَةِ وَطَلَبِ الْإِنْصَاتِ بِقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَؤُهُ فِي خُطَبِهِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ وَلَا الْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ اتَّخَذُوا مَرْقِيًّا. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَهُ أَصْلًا فِي السُّنَّةِ وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَطَبَ فِي عَرَفَةَ لِشَخْصٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ» .

قَوْلُهُ: (بَلِيغَةً) أَيْ فَصَيْحَةً جَزْلَةً.

قَوْلُهُ: (أَيْ مُتَوَسِّطَةً) فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْقِصَرِ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ لِمَا وَرَدَ «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصَرُوا الْخُطْبَةَ» . وَحِكْمَتُهُ لُحُوقِ الْمُتَأَخِّرِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَسْتَمِرُّ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ طَلَبِ اسْتِدْبَارِهِ لَهُمْ أَوْ عَكْسَهُ، وَيُكْرَهُ مُخَالَفَةُ مَا ذُكِرَ كَالِاحْتِبَاءِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ.

ــ

[حاشية عميرة]

(فَائِدَةٌ) كَانَ مِنْبَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ دَرَجٍ مِنْهَا دَرَجَةُ الْمُسْتَرَاحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ مُرْتَفَعٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَفَعٌ اسْتَنَدَ إلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا لِحَدِيثِ الْجِذْعِ. قَوْلُهُ: (إذَا انْتَهَى إلَيْهِ) .

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّهُ يُرِيدُ فِرَاقَهُمْ. قَوْلُهُ: (كَمَا جَلَسَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ عِنْدَ جُلُوسِهِ.

وَفِي نُكَتِ الْعِرَاقِيِّ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: إنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً وَإِنَّ الْعَجَمَ تُطْلِقُهَا بِمَعْنَى عِنْدَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا شِمَالًا) زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ لَا لِدَفْعِ مَا قِيلَ لَوْ الْتَفَتَ يَمِينًا فَقَطْ أَوْ شِمَالًا فَقَطْ صَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيَرُدُّ عَلَى الْعِبَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>