وَيُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ صَفٌّ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ) رَوَاهَا مُسْلِمٌ ذَاكِرًا فِيهَا سُجُودَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَ فِي الثَّانِيَةِ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ صَادِقَةٌ بِذَلِكَ وَبِعَكْسِهِ. وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الصَّفُّ الثَّانِي وَيَتَأَخَّرَ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِخُطْوَتَيْنِ يَنْفُذُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهَلْ هَذَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ أَفْضَلُ أَوْ مُلَازَمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَكَانَهُ أَفْضَلُ؟ وَجْهَانِ: وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلْوَارِدِ فِي الْعَكْسِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى صَفَّيْنِ وَيَحْرُسَ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (هِيَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ) اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّلَاثَةَ الْأُولَى مِنْهَا مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا وَرَدَتْ فِي الْأَحَادِيثِ، وَاخْتَارَ الرَّابِعَ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَشُرِعَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِيمَا بَيْنَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسٍ وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا قِتَالٌ بَلْ خَوْفٌ وَغَنِيمَةٌ، وَكَانَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَلَمْ تُفْعَلْ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى أَحْوَالِ الْعَدُوِّ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ نَوْعٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَالَتِهِ إلَّا إنْ جَازَ فِي الْأَمْنِ. قَوْلُهُ: (مَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ مَحَلُّ النَّوْعِ لَا نَفْسُهُ وَالنَّوْعُ مَذْكُورٌ فِي ضِمْنِهِ. وَكَذَا مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَلَا سَاتِرَ وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ لِصِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ كَالْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (ذَاكِرًا فِيهَا) أَيْ الرِّوَايَةُ سُجُودُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ إلَخْ وَكُلٌّ فِي مَكَانِهِ. قَوْلُهُ: (وَبِعَكْسِهِ) أَيْ عَكْسِ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ سُجُودُ الصَّفِّ الثَّانِي فِي الْأُولَى وَالْأَوَّلِ فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَكَانِهِ. وَالْعِبَارَةُ صَادِقَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا) أَيْ كَمَا جَازَ الْأَصْلُ الَّذِي فِي الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ الْوَارِدِ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَا يَجُوزُ رُجُوعُ ضَمِيرِهِ لِلْعَكْسِ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ أَيْضًا، وَلِمَا يَأْتِي بَعْدَ أَيْ إذَا سَجَدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الْأُولَى، وَأَرَادَ الصَّفُّ الثَّانِي أَنْ يَسْجُدَ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ مَكَانَهُ كَمَا مَرَّ وَلَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَكَانَ الْأَوَّلِ لِيَسْجُدَ، وَيَتَأَخَّرَ الْأَوَّلُ مَكَانَهُ لِيَحْرُسَ، لِأَنَّ الْحِرَاسَةَ لِلْمُتَأَخِّرِ أَنْسَبُ، وَمَحَلُّ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ الْقِيَامُ وَمِنْهُ الِاعْتِدَالُ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ) وَلَمْ تُغْتَفَرْ كَثْرَةُ الْأَفْعَالِ هُنَا لِعَدَمِ وُرُودِهَا. قَوْلُهُ: (وَهَلْ هَذَا التَّقَدُّمُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ وُرُودِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِي الرِّوَايَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ أَنَّهُ وَارِدٌ فِيهَا، وَسَيَأْتِي مَا يُفِيدُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ حَمْلُهُ الْوَجْهَ الْآخَرَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ لَا الْأَفْضَلِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) أَرْجَحُهُمَا أَفْضَلِيَّةُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) هُوَ مُبْتَدَأٌ رَاجِعٌ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَمُوَافِقٌ خَبَرُهُ، وَلِلْوَارِدِ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَفِي الْعَكْسِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْتَدَأِ وَفِي الْحَدِيثِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَارِدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ صُورَةَ الْعَكْسِ فِيهَا سُجُودُ الصَّفِّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ فِيهَا لِلسُّجُودِ مَكَانَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِيهَا لِلْحِرَاسَةِ، كَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ.
فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَيْسَ مِنْ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ يَعُودُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ إلَى مَكَانِهِ وَيَسْجُدُ، وَيَتَأَخَّرُ الصَّفُّ الثَّانِي إلَى مَكَانِهِ لِيَحْرُسَ فَرَاجِعْهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ
[حاشية عميرة]
عِبَارَتَهُمَا كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ صَادِقَةٌ بِأَرْبَعِ كَيْفِيَّاتٍ سُجُودُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَالْعَكْسُ مَعَ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَعَدَمُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي. وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا رُبَّمَا يُوهِمُ اقْتِصَارَ الصِّدْقِ عَلَى ثَلَاثَةٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ: أَفْضَلُ الْكَيْفِيَّاتِ مَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ اهـ. وَهُوَ لَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَاشِيَةِ الْآتِيَةِ عَلَى قَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ اعْتِدَالُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَحَلَّهُ قِيَامُ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَبِعَكْسِهِ) هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا نَحْوُ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ اهـ. فَأَخَذَ كَثِيرُونَ بِهِ وَقَالُوا إنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى الْعَدُوِّ، فَإِذَا حَرَسُوا كَانُوا جُنَّةً لِمَنْ خَلْفَهُمْ وَمَنَعُوا مِنْ مَعْرِفَةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَرَدَّهُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ فَقَدَّمَهُمْ بِالسُّجُودِ وَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا جَمَاعَةٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: هُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ الْكَيْفِيَّةَ الْأُخْرَى إعْلَامًا بِجَوَازِهَا أَيْضًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ فِيهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعَكْسِ) أَيْ وَهُوَ سُجُودُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ، فَالْمُرَادُ بِالْعَكْسِ هُنَا عَكْسُ الْعَكْسِ السَّابِقِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute