«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ الصَّلَاةِ (يَخْطُبُ الْإِمَامُ) كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ) قِيَاسًا عَلَيْهَا (وَيَحُثُّ) النَّاسَ فِيهِمَا (عَلَى التَّوْبَةِ وَالْخَيْرِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَيُحَذِّرُهُمْ الْغَفْلَةَ وَالِاغْتِرَارَ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ» ، وَيَخْطُبُ إمَامُ الْمُسَافِرِينَ، وَلَا تَخْطُبُ إمَامَةُ النِّسَاءِ، وَلَوْ قَامَتْ وَاحِدَةٌ وَعَظَتْهُنَّ فَلَا بَأْسَ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلٍ) مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ.
(أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (أَوْ فِي) رُكُوعٍ (ثَانٍ أَوْ قِيَامٍ ثَانٍ) مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ (فَلَا) يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ أَيْ شَيْئًا مِنْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ وَقِيَامَهُ كَالتَّابِعِ لِلْأَوَّلِ وَقِيَامِهِ، وَالثَّانِي يُدْرِكُ مَا لَحِقَ بِهِ الْإِمَامُ وَيُدْرِكُ بِالرُّكُوعِ الْقَوْمَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ هُوَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ، وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ أَتَى بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهَا، وَضَعُفَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ فِيهِ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ.
(وَتَفُوتُ صَلَاةُ) كُسُوفِ (الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِهَا، وَقَدْ حَصَلَ. وَلَوْ انْجَلَى بَعْضُهَا فَلَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لِلْبَاقِي كَمَا لَوْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْهَا إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَلَوْ حَالَ سَحَابٌ، وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ غَمَامٍ فَظَنَّ الْكُسُوفَ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ. (وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً) لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ.
(وَ) تَفُوتُ صَلَاةُ كُسُوفِ. (الْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَطُلُوعِ الشَّمْسِ) لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ طُلُوعِهَا (لَا) طُلُوعِ
ــ
[حاشية قليوبي]
فِيهَا
. قَوْلُهُ: (يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَخْ) هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَلَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَخْطُبُ) فَلَوْ قَدَّمَهَا لَمْ تَصِحَّ وَيَحْرُمُ إنْ قَصَدَهَا كَمَا فِي الْعِيدِ، وَلَا يُنْدَبُ فِيهَا وَلَا فِي صَلَاتِهَا اسْتِغْفَارٌ، وَلَا تَكْبِيرٌ وَلَا تَكْفِي خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيُنْدَبُ هُنَا ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ، وَعَدَمُ التَّزَيُّنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ. قَوْلُهُ: (وَيُحَرِّضُهُمْ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ قَاضِي الْمَحَلِّ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا يَأْتِي، وَيَجِبُ مَا ذَكَرَ بِالْأَمْرِ كَمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيَخْطُبُ إمَامُ الْمُسَافِرِينَ) وَكَذَا إمَامُ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ. وَكَذَا إمَامُ النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِيدِ
. قَوْلُهُ: (أَيْ شَيْئًا مِنْهَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَدَمَ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتَى إلَخْ) فَعَلَيْهِ يَتَوَالَى ثَلَاثُ قِيَامَاتٍ وَثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَفُوتُ صَلَاةُ إلَخْ) وَيَلْزَمُهُ فَوَاتُ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فَلَوْ انْجَلَتْ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَفُتْ الْخُطْبَةُ وَعَلَى هَذِهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمَنْهَجِ، وَشَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا وَعْظٌ، وَقَوْلُ شَيْخِنَا بِعَدَمِ فَوَاتِ الْخُطْبَةِ فِي الْحَالِ الْأُولَى فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بِالِانْجِلَاءِ) أَيْ التَّامِّ يَقِينًا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَلَهُ الشُّرُوعُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ فَإِنْ تَبَيَّنَ الِانْجِلَاءُ قَبْلَ الشُّرُوعِ بَطَلَتْ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَإِلَّا وَقَعَتْ نَفْلًا إنْ فَعَلَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَضُرُّ الِانْجِلَاءُ فِي أَثْنَائِهَا، قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَلَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ، ثُمَّ قَالَ وَلَا مَانِعَ مِنْ وَصْفِهَا بِذَلِكَ كَغَيْرِهَا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ أَوْ دُونَهَا. قَوْلُهُ: (صَلَّى) وَإِنْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ إنَّهَا انْجَلَتْ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْتَيْقِنَ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْكُسُوفِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي ظَنُّهُ أَيْضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَخْبَارِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي خَبَرُ عَدْلَيْنِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، وَلَا عَدَدُ التَّوَاتُرِ عَنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْسُوسٍ. وَمِنْهُ إخْبَارُ الْمُنَجِّمِينَ سَوَاءٌ أَخْبَرُوا بِوُجُودِهِ أَوْ دَوَامِهِ. هَكَذَا عَنْ شَيْخِنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلِيَ بِهِ أُسْوَةٌ أَنَّهُ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ عَنْ غَيْرِهِ مُشَاهَدَةً بَلْ وَبِخَبَرِ نَحْوِ صَبِيٍّ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ،
ــ
[حاشية عميرة]
التَّقْدِيرِ
. قَوْلُهُ: (وَالْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ) أَيْ فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَلَّى لِكُسُوفِ الْقَمَرِ
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ فِي ثَانٍ أَوْ قِيَامٍ ثَانٍ إلَخْ) وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ سِوَى الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ شَيْئًا مِنْهَا) هِيَ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَهِيَ أَوْضَحُ. قَوْلُهُ: (قَامَ هُوَ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَسْجُدُ، لِأَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ بِالرُّكُوعِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْقِيَامِ فَلَأَنْ يَحْصُلَ لَهُ السُّجُودُ الَّذِي فَعَلَهُ بِالْأَوْلَى
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَفُوتُ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ إلَخْ) . بِمَعْنَى يَمْتَنِعُ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لَا بِمَعْنَى فَوَاتِ الْأَدَاءِ.