الْحَاجَةِ» . وَقَطَعَ بِالْأَوَّلِ الْأَكْثَرُونَ، وَأُجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَاءُ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا لِلِاسْتِزَادَةِ. (وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) . فِي الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ أَثَرٌ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ. (وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاسْتِسْقَاءِ يُصَلِّي الْعِيدَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ: مُتَبَذِّلًا هُوَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ النِّهَايَةِ، مِنْ تَبَذَّلَ أَيْ لَبِسَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَالْبِذْلَةُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ الْمِهْنَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ هِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي حَالِ الشُّغْلِ وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ
. (وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ) لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ. (وَكَذَا الْبَهَائِمُ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا إذْ لَيْسَ لَهَا أَهْلِيَّةُ دُعَاءٍ، وَرُدَّ بِحَدِيثِ: «خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةً بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
. (وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ) لِأَنَّهُمْ مُسْتَرْزِقُونَ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ. (وَلَا
ــ
[حاشية قليوبي]
يَنْتَفِعُ بِهِ فَكَأَنَّ سَبَبَهَا لَمْ يَفُتْ. كَذَا قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِمَا يَأْتِي بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالدُّعَاءِ وَيُصَلُّونَ) هُمَا تَفْسِيرٌ لِلشُّكْرِ أَوْ تَفْصِيلٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، أَوْ يُصَلُّونَ تَفْسِيرٌ لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا شُكْرٌ وَفِيهَا دُعَاءٌ. قَوْلُهُ: (شُكْرًا) أَيْ تَقَعُ شُكْرًا وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِزَادَةِ) أَيْ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ) وَمِثْلُهُ نَائِبُهُ أَوْ قَاضِي الْمَحَلِّ أَوْ مُطَاعٍ فِيهِ أَوْ حَاكِمٌ فِي بَلَدٍ لَا إمَامَ فِيهِ.
وَبِأَمْرِهِ لَهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَأْتِي وَيَكْفِي فِيهِ مَا فِي النَّذْرِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالِاسْتِسْقَاءِ، بَلْ كُلُّ مَا لَيْسَ مَعْصِيَةً يَجِبُ بِأَمْرِهِ وَلَوْ مُبَاحًا، وَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْصِيَةِ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ مَنْ خَالَفَهُ لِشَقٍّ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْإِمَامِ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَيَبْعُدُ إيجَابُ الشَّخْصِ شَيْئًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِرُجُوعِهِ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا بِالسُّقْيَا فِي أَثْنَائِهِ، وَيَجِبُ فِي الصَّوْمِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ لَيْلًا وَلَا يَقْضِي إذَا فَاتَ. وَيُجْزِئُ عَنْهُ صَوْمُ غَيْرِهِ وَلَوْ نَفْلًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فِطْرُهُ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِمَا لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ كَابْنِ حَجَرٍ فَقَالَا: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ غَيْرُهُ. وَيَجُوزُ فِطْرُهُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ فِطْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ الْوَجْهُ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بَلْ أَرْبَعَةٍ بِيَوْمِ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرِ وَيَجُوزُ صَوْمُهَا وَلَوْ مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لِسَبَبٍ. قَوْلُهُ: (وَالتَّوْبَةِ) وَوُجُوبُهَا بِالْأَمْرِ تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِهَا شَرْعًا وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِوُجُوهِ الْبِرِّ) كَالصَّدَقَةِ وَيَجِبُ مِنْهَا أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ فَإِنْ عَيَّنَ قَدْرًا كَالْفِطْرَةِ فَأَقَلَّ اُعْتُبِرَ بِهَا أَوْ كَالْكَفَّارَةِ اُعْتُبِرَ بِهَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَفَّارَةَ الْعُظْمَى، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ، وَكَالْعِتْقِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِمَا فِي الْكَفَّارَةِ بِهِ كَكِفَايَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَالْخُرُوجِ إلَخْ) وَالْأَمْرُ بِهِ تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِهِ الشَّرْعِيِّ كَمَا مَرَّ
. قَوْلُهُ: (وَيَخْرُجُونَ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لَيْسَ مِمَّا دَخَلَ فِي الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يُسَنُّ فِعْلُهُ لَهُمْ فِي ذَاتِهِ.
وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْأَمْرُ بِهِ كَالصِّيَامِ، لَكِنْ هَلْ يَجِبُ بِأَمْرِهِ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَنْدُوبٍ كَمَا مَرَّ، وَنُوزِعَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (إلَى الصَّحْرَاءِ) أَيْ وَلَوْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَخَشُّعٍ) عَطْفٌ عَلَى ثِيَابٍ، وَيُنْدَبُ الْمَشْيُ وَالْحَفَا لَا كَشْفُ الرَّأْسِ وَالْعُرْيُ. قَوْلُهُ: (وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ) وَمُؤْنَةُ إخْرَاجِهِمْ فِي مَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُمْ مُؤْنَتُهُمْ، وَمِثْلُهُمْ النِّسَاءُ غَيْرُ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ حَلِيلِ ذَاتِ الْحَلِيلِ. وَكَذَا الْعَبِيدُ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ لَا الْمَجَانِينَ وَإِنْ أَمِنَتْ ضَرَاوَتُهُمْ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْبَهَائِمُ) وَتُبْعَدُ أَوْلَادُهَا عَنْهَا لِيَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجِيجُ. قَوْلُهُ: (نَبِيٌّ) هُوَ سُلَيْمَانُ.
قَوْلُهُ: (نَمْلَةٍ) قِيلَ: اسْمُهَا حَرْمَى، وَقِيلَ طَافِيَةٌ، وَقِيلَ شَاهِدَةٌ، وَكَانَتْ عَرْجَاءَ وَقَالَ الدَّمِيرِيِّ اسْمُهَا عَيْجَلُونَ. قَوْلُهُ: (رَافِعَةً إلَخْ) وَهِيَ مُلْقَاةٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَهِيَ تَدْعُو بِقَوْلِهَا: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِك لَا غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِك، فَلَا تُهْلِكُنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُمْ بَلْ يَنْدُبُ عَلَى أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِابْنِ حَجَرٍ فَتَمْكِينُهُمْ مِنْ خُرُوجِهِمْ مَكْرُوهٌ كَإِخْرَاجِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا
ــ
[حاشية عميرة]
الْمِنْهَاجِ وَالدُّعَاءِ وَيُصَلُّونَ، كَأَنَّهُ عَطْفُ تَفْصِيلٍ لِلشُّكْرِ، لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) تَصْرِيحٌ بِبَعْضِ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَخَشُّعٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثِيَابٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ لَهَا أَهْلِيَّةُ دُعَاءٍ) وَلِأَنَّ النَّاسَ