«الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ، كَمَا أَشْعَرَ بِهَا الْحَدِيثُ إذْ السَّهُ الدُّبُرُ، وَوِكَاؤُهُ حِفَاظُهُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَالْعَيْنَانِ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَقِظَةِ. (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنِ مَقْعَدِهِ) أَيْ أَلْيَتَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ فَلَا يَنْقُضُ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ فِيهِ مِنْ دُبُرِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ لِنُدْرَتِهِ وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَلَا لِمَنْ نَامَ قَاعِدًا وَهُوَ هَزِيلٌ بَيْنَ بَعْضِ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ.
(الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالْمَعْنَى فِي النَّقْضِ بِهِ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلِالْتِذَاذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ، فَأُلْحِقَ بِهِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ اللَّمْسُ تَوَسُّعًا (إلَّا مَحْرَمًا) فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِعُمُومِ النِّسَاءِ فِي الْآيَةِ، وَالْأَوَّلُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا مَعْنًى خَصَّصَهَا، وَالْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
إدْخَالِ الْمَذْهُولِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَطْبُوبِ، أَيْ الْمَسْحُورِ. قَوْلُهُ: (وِكَاءُ السَّهِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَأَصْلُ الْوِكَاءِ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ فَمُ نَحْوِ الْقِرْبَةِ لِمَنْعِ خُرُوجِ مَا فِيهَا فَشُبِّهَتْ الْيَقِظَةُ بِهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ النَّوْمِ أَبْلَغُ مِنْهُ) وَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّهُ أَقْوَى فِي زَوَالِ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ كَمَا مَرَّ وَأَنَّهُ يَنْقُضُ مَعَ التَّمْكِينِ. وَالْمَظِنَّةُ بِمَعْنَى الظَّنِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ اسْتِصْحَابُ يَقِينِ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى النَّوْمِ فَصَارَ نَاقِضًا وَإِنْ كَانَ مَسْدُودَ الْمَخْرَجِ أَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَ خُرُوجِ شَيْءٍ كَإِخْبَارِ مَعْصُومٍ بِعَدَمِهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهُ الْمَعْصُومُ تَوَضَّأْ أَوْ قَالَ لَهُ لَا تَتَوَضَّأْ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِيهِمَا سَوَاءٌ نَامَ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (إلَّا نَوْمَ مُمَكَّنِ) وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ طَالَ وَلَوْ فِي رُكْنٍ قَصِيرٍ، وَخَالَفَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي الرُّكْنِ الْقَصِيرِ لِأَنَّ تَعَاطِيَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَهُوَ كَالْعَمْدِ، وَفِيهِ بَحْثٌ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْهُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَلْيَتَيْهِ) وَلَوْ مُحْتَبِيًا أَوْ رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ مَادًّا رِجْلَيْهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ عَنْ مَقَرِّهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ يَقِينًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَا يَنْتَقِضُ لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُتَمَكِّنًا أَوْ لَا. نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا لِأَنَّ اسْتِصْحَابَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ أَقْوَى مِنْهُ، وَفَارَقَ اعْتِمَادَهُ فِي تَنَجُّسِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ. قَوْلُهُ: (لِنُدْرَتِهِ) فَلَوْ اعْتَادَهُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ إلَّا إنْ مَكَّنَهُ وَأَمْكَنَ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَمْكِينَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ. نَعَمْ لَوْ جَلَسَ الْهَزِيلُ عَلَى نَحْوَ قُطْنٍ مِمَّا يَمْنَعُ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا نَقْضَ، وَالسِّمَنُ الْمُفْرِطُ كَالْهُزَالِ.
قَوْلُهُ: (الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) يَقِينًا لَا مَعَ الشَّكِّ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، حَيْثُ عُلِمَتْ الْمُخَالَفَةُ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُنَا فِي حَاشِيَتِهِ، وَسَيَأْتِي عَنْهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِجِنِّيَّةٍ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا وَهِيَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا وُضُوءَهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْجِنِّيِّ أَنْ يَكُونَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَكَذَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ النَّقْضِ هُنَا إجْرَاءً لِلْأَبْوَابِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَلِعَدَمِ الِاسْمِ كَالْمَمْسُوخِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ آخِرًا، وَاعْتَمَدَهُ، وَشَمِلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ مَا لَوْ كَانَا مُلْتَصِقَيْنِ فَيَنْقُضُ إلَّا فِيمَا يَشُقُّ، وَشَمِلَ بَعْضَ كُلٍّ حَيْثُ سُمِّيَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، فَعُلِمَ أَنَّ لَمْسَ الْمَيِّتِ يَنْقُضُ وُضُوءَ الْحَيِّ، وَلَا يَنْقُضُ الْمَمْسُوخُ وَلَوْ حَيَوَانًا لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَلَوْ مُسِخَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَى الْبَاقِي نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ كَالرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ بِشَرْطِهِ الْآتِي، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْلَى، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ، فَعُدُولُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إلَى التَّعْبِيرِ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ إلَخْ) هُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَحْرَمًا) وَلَوْ احْتِمَالًا فَلَوْ اسْتَلْحَقَ أَبُوهُ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ شَكَّ فِي رَضَاعِ امْرَأَةٍ أَوْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمُهُ بِغَيْرِ مَحْصُورَاتٍ، فَلَا نَقْضَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَبْلَ نِكَاحِهِ أَوْ بَعْدَهُ، خِلَافًا لِلْخَطِيبِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ فِي الْجَمِيعِ. نَعَمْ لَوْ لَمَسَ مِنْ الْمُخْتَلِطَاتِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَحْرَمِهِ فِي طَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ نَقَضَ، وَلَا تَنْقُضُ الْمَنْفِيَّةُ بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ. قَوْلُهُ: (مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا إلَخْ) فَتَنْقُضُ بِنْتُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا،
[حاشية عميرة]
وَالْأَوَّلُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا مَعْنًى خَصَّصَهَا) اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ بِعَدَمِ تَعَدِّيهِ لِلْمَيْتَةِ، أَيْ مَعَ أَنَّهَا لَا تُشْتَهَى وَتَنْقُضُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا) أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَا تَرِدُ أُخْتُ الزَّوْجَةِ، وَخُرُوجُ أُصُولِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَفُرُوعِهَا بَيِّنٌ وَكَذَا لَا يَرِدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute