للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَشِنِهَا وَسَيَأْتِي فِي الزِّيَادَةِ كَلَامٌ آخَرُ. (وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ) وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوَّلُ فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَجَزَمَ بِالثَّانِي الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

(وَلَا تُنَفَّذُ) بِالتَّشْدِيدِ (وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الثَّوْبِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ الْآتِي ذِكْرُهُمَا فِي الْأَفْضَلِ فَإِنَّهُمَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِمَا، وَلَوْ أَوْصَى بِسَائِرِ الْعَوْرَةِ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِسَاتِرٍ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ، فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ، فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قَوْلُ التَّتِمَّةِ أَقْيَسُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ ثَوْبٌ وَالْوَرَثَةُ ثَلَاثَةٌ أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ إلَى إبْدَاءِ ذِمَّتُهُ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى زِيَادَةِ السِّتْرِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ، وَالْوَرَثَةُ بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ، وَقَدْ يَتَشَكَّكُ فِيهِ إنْسَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ ذِمَّتَهُ تَبْقَى مُرْتَهَنَةً بِالدَّيْنِ، انْتَهَى.

(وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ) قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا

ــ

[حاشية قليوبي]

وَالْإِكْثَارِ الْعُرْفُ. قَوْلُهُ: (فَمِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ) وَإِنْ كَانَ مُقَتِّرًا عَلَى نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ أَوْلَى، وَيَبْقَى الْمُفْلِسُ عَلَى مَا كَانَ لِرِضَاهُ لِنَفْسِهِ بِالرَّذَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَمِنْ خَشِنِهَا) وَإِنْ اعْتَادَ الْجِيَادَ فِي حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَجَزَمَ بِالثَّانِي الْإِمَامُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ عَلَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَعْنَى كَوْنِ الثَّوْبِ أَقَلُّ، هُوَ مِنْ حَيْثُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهِ، فِي نَحْوِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ مَحْضُ حَقِّهِ فِي سَاتِرِ الْعَوْرَةِ، وَمَعَ الْآدَمِيِّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (حَقٌّ لِلْمَيِّتِ) أَيْ مَحْضُ حَقِّهِ، وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ) أَيْ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، لِأَنَّ النَّقْصَ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَكْرُوهٌ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ إلَخْ) . هُمَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ، وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ. ثَانِيَتُهُمَا: لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ، فَالْمُجَابُ طَالِبُ الثَّوْبِ فِي الْأُولَى، وَطَالِبُ الثَّلَاثَةِ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُ طَلَبُ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (كُفِّنَ بِهَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (قَوْلُ التَّتِمَّةِ أَقِيسُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُكَفَّنُ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَتَشَكَّكُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: رِضَا الْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رَجَاءِ إبْرَائِهِمْ لَهُ، أَوْ عَدَمِ مُطَالَبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا تَكُونُ ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةً فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

مُسْتَغْرِقٌ وَمِنْ عَادَتِهِ التَّقْتِيرُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ التَّقْتِيرِ وَلَا يَكُونُ مِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثَوْبٌ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ جَوَازِ التَّطْيِينِ وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الثَّوْبُ فُعِلَ، وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمَ الْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ) اُسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ كِسْوَةَ الرَّقِيقِ لَا يَكْفِي فِيهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِأَنَّهُ تَحْقِيرٌ وَإِذْلَالٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، فَالْمَيِّتُ أَوْلَى، ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ غَرِيبٍ، وَهُوَ أَنَّ الشَّخْصَ بِمَوْتِهِ هَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ عَوْرَةً أَمْ عَوْرَتُهُ مَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ شَارِحُ التَّعْجِيزِ

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِإِسْقَاطِهِ) بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ إسْقَاطَ الزَّائِدِ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ إلَخْ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (كُفِّنَ بِثَوْبٍ) هَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي عَنْ التَّتِمَّةِ الَّذِي قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَقْيَسُ. قَوْلُهُ (إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) قَضِيَّتُهُ وُجُوبُ الثَّلَاثِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ: أَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ أَوْ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى ذَاكَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ إلَى زِيَادَةٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ اتِّسَاعِ التَّرِكَةِ فَتَسْتَوْفِي الثَّلَاثُ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَتَشَكَّكُ فِيهِ إنْسَانٌ إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ الْمَيِّتُ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَقَدْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالتَّرِكَةِ فَأَذِنَ الْغُرَمَاءُ فِي صَرْفِهَا فِي الْكَفَنِ، وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ مُتَضَمِّنٌ لِلْمُسَامَحَةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ مِنْ الدَّيْنِ بِذَلِكَ، فَلَا أَثَرَ لِتَعَلُّقِهِ بِالذِّمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيُجَابُ مِنْ طَرَفِ النَّوَوِيِّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الدَّيْنَ عَنْ ذِمَّتِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا قَابِلَةٌ لِهَذَا التَّشْكِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>