للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ» بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ (وَهُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ) كَأَنْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ تَرَدَّى فِي حَمْلَتِهِ فِي وَهْدَةٍ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ. (فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ) وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِجِرَاحَةٍ فِي الْقِتَالِ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا (أَوْ) مَاتَ (فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ) وَمُقَابِلُهُ يُلْحَقُ الْأَوَّلُ بِالْمَيِّتِ فِي الْقِتَالِ وَالثَّانِي بِالْمَيِّتِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ انْقَضَى الْقِتَالُ وَحَرَكَةُ الْمَجْرُوحِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَشَهِيدٌ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ وَهُوَ مُتَوَقِّعُ الْبَقَاءِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِلَا خِلَافٍ. (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ) كَأَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةً فَغَيْرُ شَهِيدٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ إنَّهُ شَهِيدٌ فِي وَجْهٍ لِمَوْتِهِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، أَمَّا الشَّهِيدُ الْعَارِي عَنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ كَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْمَيِّتِ عِشْقًا وَالْمَيِّتَةِ طَلْقًا وَالْمَقْتُولِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ ظُلْمًا فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ

. (وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ)

ــ

[حاشية قليوبي]

لِشَهَادَةِ دَمِهِ بِقَتْلِهِ حَيْثُ يُبْعَثُ وَهُوَ يَسِيلُ، أَوْ لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْجَنَّةَ حِينَ مَوْتِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ تَشْهَدُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ قَبْضَ رُوحِهِ. قَوْلُهُ: (إبْقَاءُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ مُكْتَسَبَةٌ تُعْلَمُ بِأَثَرِهَا، وَبِهَذَا فَارَقَ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: (مَنْ مَاتَ) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، قَصَدَ الْحَرْبَ أَوْ لَا حَيْثُ قَاتَلَ. قَوْلُهُ: (فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَيْ فِي مُحَارَبَةِ كَافِرٍ وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ مُرْتَدًّا، أَوْ فِي قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ فِي صِيَالٍ، أَوْ قَتَلَهُ كَافِرٌ اسْتَعَانَ بِهِ الْبُغَاةُ، وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ قَتَلَهُ بَاغٍ اسْتَعَانَ بِهِ كَافِرٌ، وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي الْمَقْتُولِ مِنْ الْبُغَاةِ بِكَافِرٍ اسْتَعَنَّا بِهِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَدَّى فِي حَمْلَتِهِ) أَوْ عَادُوا إلَيْهِ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ فَقَتَلُوهُ، وَالْحَمْلَةُ قُوَّةُ الْحَمِيَّةِ فِي شِدَّةِ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ: (فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ) وَلَمْ يَقْتُلْهُ كَافِرٌ اسْتَعَانُوا مَثَلًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الشَّهِيدُ) أَيْ الَّذِي يُعْطَى مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ فِي الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: (الْعَارِي إلَخْ) أَيْ الْعَارِي عَنْ شَهَادَةِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ عَدَمُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الشَّهِيدَ قِسْمَانِ: شَهِيدٌ فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَهُوَ الْعَارِي عَنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ، وَشَهِيدٌ فِيهِمَا وَهُوَ مَنْ فِيهِ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ تَحْصِيلَ الْكَسْبِ أَوْ الْمُفَاخَرَةَ، أَوْ لِيُقَالَ: إنَّهُ شُجَاعٌ مَثَلًا فَهُوَ وَشَهِيدٌ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ فَهُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَجَبَ فِيهِ الْغُسْلُ، وَالصَّلَاةُ كَغَيْرِ الشَّهِيدِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (كَالْغَرِيقِ) أَيْ وَإِنْ عَصَى فِيهِ بِنَحْوِ شُرْبِ خَمْرٍ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ غَرَقَ بِسَيْرِ سَفِينَتِهِ وَفِي وَقْتِ هَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَطْعُونِ) أَيْ الْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ فِي زَمَنِهِ، أَوْ بَعْدَ زَمَنِهِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا.

(فَرْعٌ) يَحْرُمُ دُخُولُ بَلَدِ الطَّاعُونِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا بِلَا حَاجَةٍ لِوُجُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ الْفِرَارُ مِنْ غَيْرِ الطَّاعُونِ نَحْوَ حَائِطٍ مَائِلٍ إلَى السُّقُوطِ، وَهَدَفٍ وَحَجَرٍ وَحَرِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَيِّتِ عِشْقًا) أَيْ وَلَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَنْ يَحْرُمُ عِشْقُهُ كَالْمُرْدِ أَوْ لَا، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكْتُمَ وَيَعِفَّ عَمَّا يَحْرُمُ وَلَوْ بِنَحْوِ نَظَرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمَيِّتَةِ طَلْقًا) وَلَوْ مِنْ زِنًى مَا لَمْ تَتَسَبَّبْ فِي الْإِجْهَاضِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَقْتُولُ ظُلْمًا) وَلَوْ بِحَسَبِ الْهَيْئَةِ كَمَا قِيلَ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَنْ مَاتَ فِي غُرْبَةٍ أَوْ بِهَدْمٍ أَوْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: أَنَّهُ إنْ كَانَ سَبَبُ الْمَوْتِ مَعْصِيَةً كَشَرْقٍ بِشُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ رُكُوبِ بَحْرٍ لِشُرْبِهِ، أَوْ تَسْيِيرِ سَفِينَةٍ فِي وَقْتِ رِيحٍ عَاصِفٍ كَمَا مَرَّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَغَيْرُ شَهِيدٍ، وَإِلَّا فَشَهِيدٌ وَلَا يَضُرُّ مُقَارَنَةُ مَعْصِيَةٍ لَيْسَتْ سَبَبًا كَزِنًى وَنُشُوزٍ، وَإِبَاقٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ لِغَيْرِ شُرْبِهِ فَتَأَمَّلْ

قَوْلُهُ: (جُنُبٌ) أَوْ

ــ

[حاشية عميرة]

بُلُوغِهِ إمْكَانَ نَفْخِ الرُّوحِ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ السَّتْرِ بِخِرْقَةٍ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ أَمْ لَا، وَذُكِرَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ التَّكْفِينِ، وَأَطَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِوَضْعِ خِرْقَةٍ مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ بِهِ كَإِحَاطَةِ الْكَفَنِ لَاسْتَقَامَ الْكَلَامُ

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ مَاتَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنَّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي ضَابِطِ الشَّهِيدِ ثَلَاثَ قُيُودٍ: الْمَوْتُ حَالَ الْقِتَالِ، وَكَوْنُهُ قِتَالَ كُفَّارٍ، وَكَوْنُهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ فَذَكَرَ هُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ لِبَيَانِ مَا خَرَجَ بِتِلْكَ الْقُيُودِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ) اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ أَسْمَاءَ غَسَّلَتْ ابْنَهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (كَأَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ إلَخْ) جَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَغْتَالَهُ كَافِرٌ، وَعِبَارَتُهُ إذَا مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْكُفَّارِ لَا بِسَبَبِ الْقِتَالِ، كَمَا إذَا مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةً أَوْ اغْتَالَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالْأَصَحُّ إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَا فِي غُسْلِ الْمَوْتِ، انْتَهَى. أَقُولُ: فَعَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>