للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَكُونُونَ وِتْرًا) ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ. (وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ عَلَى يَمِينِهِ) نَدْبًا (لِلْقِبْلَةِ) وُجُوبًا، فَلَوْ دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ تَغَيَّرَ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَوْ وُضِعَ عَلَى الْيَسَارِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ وَيُقَاسُ بِاللَّحْدِ فِيمَا ذُكِرَ جَمِيعُهُ الشَّقُّ، وَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَجِبُ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ.

(وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إلَى جِدَارِهِ) أَيْ الْقَبْرِ (وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا) حَتَّى لَا يَنْكَبَّ وَلَا يَسْتَلْقِيَ، وَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ حَجَرٌ وَيُفْضِي بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِأَنْ يُنَحَّى الْكَفَنُ عَنْ خَدِّهِ وَيُوضَعَ عَلَى التُّرَابِ.

(وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ (بِلَبِنٍ) وَطِينٍ مَثَلًا حَتَّى لَا يَدْخُلَهُ تُرَابٌ (وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ) بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَثَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا» ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: ٥٥] ، وَمَعَ الثَّانِيَةِ: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥] ، وَمَعَ الثَّالِثَةِ: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] . وَقَوْلُهُ حَثَيَاتٍ مِنْ يَحْثِي لُغَةٌ فِي يَحْثُو (ثُمَّ يُهَالُ) أَيْ يُرْدَمُ التُّرَابُ (بِالْمَسَاحِي) إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ

(وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ) لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ قَبْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رُفِعَ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ. وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لَهُ إذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ، رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ

ــ

[حاشية قليوبي]

كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةً) أَيْ أَوْ أَقَلَّ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمَا فَوْقَهَا لِضَرُورَةِ الْجَمْعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمَعَهُمْ خَامِسٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُمْ خَامِسٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّ الْخَامِسَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ الْعَبَّاسُ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ، وَيُوَجَّهُ الْكَافِرُ لِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. نَعَمْ يَجِبُ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ بِكَافِرَةٍ حَامِلَةٍ بِمُسْلِمٍ إذَا بَلَغَ أَوَانُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، كَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ لِأَنَّ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِهَا وَتُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ) وُجُوبًا وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ مَرْفُوعًا وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ وَلَوْ بِالرَّائِحَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسْنَدُ) أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (وَجْهُهُ) وَرِجْلَاهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَا يَنْكَبَّ إلَخْ) وَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ لَوْ انْكَبَّ أَوْ اسْتَلْقَى بَعْدَ الدَّفْنِ، وَكَذَا لَوْ انْهَالَ الْقَبْرُ أَوْ التُّرَابُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِصْلَاحُهُ، أَوْ نَقْلُهُ لِمَحَلٍّ آخَرَ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. نَعَمْ لَوْ انْهَالَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَقَبْلَ طَمِّهِ وَجَبَ إصْلَاحُهُ

. قَوْلُهُ: (وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) أَيْ نَدْبًا إنْ لَمْ يَصِلْ التُّرَابُ الْمُهَالُ إلَى الْمَيِّتِ وَإِلَّا وَجَبَ وَلَوْ بِمِلْكٍ غَائِبٍ، وَلَا يُنْدَبُ الْأَذَانُ عِنْدَ الدَّفْنِ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ: (بِلَبِنٍ) أَيْ نَدْبًا، وَكَانَ عَدَدُ لَبِنَاتِ لَحْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ لَبِنَاتٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ: (وَيَحْثُو مَنْ دَنَا) فَالدُّنُوُّ لَازِمٌ لَهُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ أَيْضًا. نَعَمْ لَا يُنْدَبُ الدُّنُوُّ إنْ حَصَلَ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا الْحَثْوُ فِي التُّرَابِ إنْ لَزِمَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لِرُطُوبَتِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (لُغَةً فِي يَحْثُو) أَيْ وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ، وَالْيَاءُ أَفْصَحُ مِنْ الْوَاوِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَالْحَثْوُ الْأَخْذُ بِالْكَفَّيْنِ مَعًا قِيلَ أَوْ بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (تُرَابٍ) وَكَوْنُهُ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ جِهَةِ رَأْسِ الْقَبْرِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى: اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جُثَّتِهِ.

(فَائِدَةٌ) قِرَاءَةُ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: ١] عَلَى شَيْءٍ مِنْ تُرَابٍ مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَوَضْعُهُ عَلَى صَدْرِهِ تَحْتَ الْكَفَنِ أَمَانٌ مِنْ الْفِتَانِ.

قَوْلُهُ: (بِالْمَسَاحِي) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْسَحُ الْأَرْضَ، وَهِيَ جَمْعُ مِسْحَاةٍ مِنْ الْحَسْوِ أَيْ الْكَشْفِ فَمِيمُهَا زَائِدَةٌ، وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ فَهِيَ مِنْ خَشَبٍ

. قَوْلُهُ: (شِبْرًا) أَيْ قَدْرَهُ تَقْرِيبًا، وَرَفْعُ الْقَبْرِ فَوْقَ شِبْرٍ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ) وَكَذَا لَوْ خِيفَ نَبْشُهُ لِعَدَاوَةٍ أَوْ أَخْذِ كَفَنٍ

. قَوْلُهُ: (فِي قَبْرٍ) أَيْ شَقٍّ أَوْ لَحْدٍ، أَمَّا لَوْ فِي لَحْدَيْنِ وَلَوْ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا.

ــ

[حاشية عميرة]

قَبْلِي إلَى بَحَرِي، وَأُضْجَعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَرُفِعَتْ رَأْسُهُ قَلِيلًا كَمَا يُفْعَلُ فِي الْمُحْتَضَرِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ يَحْرُمُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَحْثُو مَنْ دَنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْكِفَايَةِ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ. قَوْلُهُ: (مِنْ يَحْثِي إلَخْ) أَيْ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>