للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمْسِ فَجَامَعَ، فَبَانَ خِلَافُهُ فَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ، وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْفَصْلِ لِمَا يُوجِبُهَا (وَلَا) عَلَى (مَنْ جَامَعَ) عَامِدًا (بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ) بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ جَامَعَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ، فَلَمْ يَأْثَمْ بِهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَبُطْلَانُهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا لَوْ ظَنَّ اللَّيْلَ، وَقْتَ الْجِمَاعِ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ هَذَا الظَّنَّ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ. (وَلَا) عَلَى (مَنْ زَنَى نَاسِيًا) لِلصَّوْمِ وَقُلْنَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِالْجِمَاعِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ نَاسٍ لَهُ وَقِيلَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

(وَلَا) عَلَى (مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَى مُتَرَخِّصًا) بِالْفِطْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِالْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْفِطْرَ بِهِ جَائِزٌ لَهُ وَإِنَّمَا أَثِمَ بِالْفِطْرِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًى.

(وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبَ بِهَا فِي الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ وَعَنْهَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجِمَاعِ وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهَا (وَفِي قَوْلٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى) لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْجِمَاعِ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِهِ فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَوْمِهِ) هُوَ الْمُعْتَقَدُ، وَفَارَقَ عَدَمَ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ فَتَكَلَّمَ عَامِدًا بِأَنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ مُغْتَفَرٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ جِنْسِ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (مُتَرَخِّصًا) أَيْ نَاوِيًا التَّرَخُّصَ وَلَيْسَ قَيْدًا فِي عَدَمِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّ إثْمَهُ بِسَبَبِ الزِّنَى فَلَا يُغْنِي عَنْهُ مَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا إلَخْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الزَّوْجِ) لَوْ قَالَ عَلَى الْوَاطِئِ دُونَ الْمَوْطُوءِ لَشَمَلَ غَيْرَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَأَجْنَبِيٍّ وَفِي الدُّبُرِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَغَيْرُهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ قَطْعًا لَا عَلَى الْمَوْطُوءِ، وَسَوَاءٌ الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْطُوءَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِدُخُولِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إفْسَادٌ بِجِمَاعٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهَا) إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا كَمَجْنُونٍ فَتَقَرَّرَ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ وَفِي مَعْنَى التَّحَمُّلِ عَلَى ذَلِكَ خِلَافٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَى تَحَمُّلِهِ عَنْهَا انْدِرَاجُ كَفَّارَتِهَا فِي كَفَّارَتِهِ وَهُوَ أَحَدُ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ سُقُوطُهَا عَنْهَا بِإِخْرَاجِهِ كَالْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ كَفَّارَةٍ وَأَنَّهُ تَحَمَّلَ نِصْفَهَا عَنْهَا وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَمُحْتَمَلٌ لِلثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ

ــ

[حاشية عميرة]

الصَّوْمَ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي، بِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حَرُمَ عَلَيْهِ، وَفَسَدَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْمُرَادَ الظَّنُّ النَّاشِئُ عَنْ الِاجْتِهَادِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَبَانَ خِلَافُهُ، ثُمَّ رَأَيْت الْخَادِمَ قَالَ: إنَّ الرَّافِعِيَّ عَبَّرَ بِالظَّنِّ، وَمُرَادُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى أَمَارَةٍ، وَلَيْسَتْ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا صُورَتُهَا الظَّنُّ مِنْ غَيْرِ أَمَارَةٍ، لَكِنَّ هَذَا يَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، ثُمَّ جَعْلُهُمْ الْخِلَافَ شُبْهَةً يُشْكِلُ عَلَيْهِ وُجُوبُهَا عَلَى الصَّبِيِّ إذَا جَامَعَ بَعْدَ بُلُوغِهِ نَهَارًا، وَعَلَى الْمُسَافِرِ إذَا جَامَعَ بَعْدَ عُرُوضِ سَفَرِهِ نَهَارًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَخْ) أَيْ فَهِيَ بِدُونِ هَذَا وَارِدَةٌ عَلَى الضَّابِطِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا) لَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا بَعْدَ السَّلَامِ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ هَذَا الظَّنَّ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ بَلْ يَخْلُفُهُ، وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَاسِيًا يَرْجِعُ لِلْأَكْلِ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ الْأَكْلِ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَأْثَمْ بِهِ) هَذَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ آثِمٌ لَا بِسَبَبِ الصَّوْمِ فَيَخْرُجُ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ دُونَ الرَّابِعِ، وَمِمَّا يَخْرُجُ بِقَيْدِ الْإِثْمِ أَيْضًا جِمَاعُ الصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: (قِيلَ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ) هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ.

قَوْلُهُ: (وَقُلْنَا إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ.

تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمُسَافِرَ إذَا جَامَعَ غَيْرَنَا، وَلِلتَّرَخُّصِ وَجِمَاعِ الْمَرْأَةِ إذَا أَدْخَلَ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ مَثَلًا ثُمَّ انْتَبَهَتْ وَلَمْ تَدْفَعْ، وَمَا لَوْ جَامَعَهَا وَبِهِ عُذْرٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ لَهُ دُونَهَا فَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ صَوْمِهَا، فَلَوْ قَيَّدَهُ بِصَوْمِهِ لَخَرَجَ هَذَا الرَّابِعُ إذَا جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ الْخَامِسُ، إذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ صَوْمَهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْجِمَاعَ فِيهَا لَمْ يُفْسِدْ صَوْمًا وَمَعَ ذَلِكَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَيِّنْ الَّذِي عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ فِي الزَّانِيَةِ «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . قَوْلُهُ: (وَيَتَحَمَّلُهَا) لَوْ كَانَ مَجْنُونًا عَلَى هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>