للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْهُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُرُوجُ وَاجِبًا لَمَا أَمَرَهَا بِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَتْهُ) عَنْ عُمْرَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَالثَّانِي لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْحَجِّ. لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ (فَلَوْ خَرَجَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إلَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ) فَقَطْ (سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَالثَّانِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ إلَيْهِ مُحْرِمًا. وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُجَاوِزَ مُسِيءٌ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ (وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ) لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَرَ عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ التَّنْعِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَعْدَ إحْرَامِهِ بِهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَيْهَا مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ وَالْجِعْرَانَةُ وَالْحُدَيْبِيَةُ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَالْأُولَى بِطَرَفِ الطَّائِفِ، وَالثَّانِيَةُ بَيْنَ طَرِيقِ جَدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَالتَّنْعِيمُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ.

ــ

[حاشية قليوبي]

تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ عَلَى مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ جَائِزٌ بِخِلَافِهِ فِي الزَّمَانِيِّ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالزَّمَانِيِّ أَشَدُّ كَمَا فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دُونَ الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ. وَأَيْضًا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ مُخْتَلِفٌ بِالنَّوَاحِي. قَوْلُهُ: (الْجِعْرَانَةُ) بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ امْرَأَةٍ كَانَتْ تَسْكُنُهَا وَنِصْفُهَا مِنْ الْحِلِّ وَنِصْفُهَا مِنْ الْحَرَمِ. قِيلَ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَسَيُذْكَرُ مَسَافَتُهَا فِي حُدُودِ الْحَرَمِ أَنَّهَا تِسْعَةُ أَمْيَالٍ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ كَالشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهَا عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ. وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ نَعِيمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ جَبَلٌ يُقَال لَهُ: نَاعِمٌ وَمَحَلُّهُ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ نُعْمَانُ وَسَيُذْكَرُ مَسَافَتُهُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ.

قَوْلُهُ: (الْحُدَيْبِيَةُ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ اسْمُ مَحَلٍّ عِنْدَ الْبِئْرِ الْمَعْرُوفَةِ بِعَيْنِ شَمْسٍ وَسَيُذْكَرُ مَحَلُّهَا.

قَوْلُهُ: (هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَيْهَا) لَمَّا صَدَّهُ الْكُفَّارُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْعُمْرَةِ فَمَا قِيلَ إنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهَا مَرْدُودٌ، وَهَمُّهُ بِذَلِكَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِهِ الْمُسَاوِي لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ رُجُوعُهُ لِلْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالُوهُ فِي تَحْدِيدِ الْحَرَمِ لِأَنَّهَا آخِرُهُ وَضَبَطُوهُ بِأَنَّهُ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ. وَفِي الثَّانِي مُخَالِفٌ لِلْمُشَاهِدِ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِيهِمَا.

وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحِلِّ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ طَرِيقِ حِدَّةَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ، وَقِيلَ بِالْجِيمِ فِي مُنْعَطَفٍ عَنْ الطَّرِيقِ.

قَوْلُهُ: (وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ) عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ) زَوْجَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُسِبَ إلَيْهَا لِإِحْرَامِهَا بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ــ

[حاشية عميرة]

يُحْرِمُ قَارِنًا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَلَفَ صَدْرَ الْبَابِ.

فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لَهُ قَدَمٌ فِي الْحِلِّ وَقَدَمٌ فِي الْحَرَمِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الْخَارِجَةِ وَحْدَهَا، جَازَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْمَتْنِ: (سَقَطَ الدَّمُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بِمَعْنَى لَمْ يَجِبْ قَالَ: وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الدَّمَ لَمْ يَجُزْ فِعْلُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ جَازَ فِعْلُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالتَّحْرِيرِ لِلْجُرْجَانِيِّ، وَاَلَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ اهـ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْجِعْرَانَةُ) قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: اعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَعِيمٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ آخَرَ يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ، وَالْوَادِي نُعْمَانُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ كَانَ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ، فَكَيْفَ تُقَدَّمُ الْجِعْرَانَةُ عَلَى التَّنْعِيمِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِالتَّنْعِيمِ، لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ، لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَفْضَلِيَّةُ التَّنْعِيمِ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْحُدَيْبِيَةُ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ التَّفْضِيلَ لَيْسَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا اهـ. أَقُولُ مِنْ ثَمَّ اشْتَكَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى حُكْمُهُ، بِتَفْضِيلِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>