للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْجَمِيلِ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا مِنْ أَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ مُسْتَحِقٌّ لَأَنْ يَحْمَدُوهُ لَا الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ (الْبَرِّ) بِالْفَتْحِ أَيْ الْمُحْسِنِ (الْجَوَادِ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ الْكَثِيرِ الْجُودِ أَيْ الْعَطَاءِ (الَّذِي جَلَّتْ) أَيْ عَظُمَتْ (نِعَمُهُ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى إنْعَامٍ (عَنْ الْإِحْصَاءِ) أَيْ الضَّبْطِ (بِالْأَعْدَادِ) أَيْ بِجَمِيعِهَا {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨]

ــ

[حاشية قليوبي]

الْحَمْدِ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا الْحَمْدُ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِغَيْرِهَا أَيْضًا، كَالْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ. بَعْدَهَا وَكَالْجَنَانِ وَالْأَرْكَانِ إذْ هُوَ عُرْفًا مَا يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ.

قَوْلُهُ: (الْوَصْفُ) أَيْ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْخَلْقِ. وَهَذَا مَعْنَى الْحَمْدِ لُغَةً، وَلَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِاللِّسَانِ لَشَمِلَ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَفِيهِ مَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَمِنْهُ. مَا قِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ: هَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُ عِبَادِهِ بِهِ لِلْإِيمَانِ بِهِ أَوْ الثَّنَاءُ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ أَوْ هُمَا أَقْوَالٌ:

ثَالِثُهَا: أَوْلَى لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْجَمِيلِ) فَهُوَ الْمَحْمُودُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ اخْتِيَارِيًّا أَوْ لَا، وَحَذَفَ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْجَمِيلُ الِاخْتِيَارِيُّ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى فَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَيُقَيَّدُ الْجَمِيلُ بِالِاخْتِيَارِيِّ. وَحَذَفَ الْمَحْمُودَ بِهِ لِعُمُومِهِ وَعِلْمِهِ مِنْ الثَّنَاءِ.

قَوْلُهُ: (إذْ الْقَصْدُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قَصْدُ الثَّنَاءِ لِأَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِيهِ مَا يَأْتِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الثَّنَاءُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَصْدٍ وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِهَا مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا) مُتَعَلِّقَانِ بِالثَّنَاءِ وَمِنْ أَنَّهُ إلَخْ بَيَانٌ لِمَضْمُونِهَا وَمَالِكٌ وَمُسْتَحِقٌّ إشَارَةٌ لِمَعْنَى اللَّامِ فِي لِلَّهِ وَلِجَمِيعِ إشَارَةٌ لِمَعْنَى اللَّامِ فِي الْحَمْدِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ.

قَوْلُهُ: (لَأَنْ يَحْمَدُوهُ) قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةَ لَوْ قَالَ لَهُ بَدَلَ ذَلِكَ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ أَيْ لِعُمُومِهِ لِمَا وَقَعَ وَلِمَا سَيَقَعُ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ هَذَا الْوَصْفُ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْأَزَلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ سَبْقُ حَمْدٍ مِنْ الْخَلْقِ عَلَيْهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ وُجِدَ فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِهِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (لَا الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ لِمَضْمُونِهَا الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا زِيَادَةُ تَصْرِيحٍ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْحَمْدُ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْإِخْبَارُ. وَكَلَامُهُ مُتَدَافِعٌ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُصُولُ الْحَمْدِ بِهَا مَعَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ لِلْإِذْعَانِ بِمَدْلُولِهَا الَّذِي هُوَ الِاتِّصَافُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُحْسِنُ) أَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَنَّهُ كَالتَّوْطِئَةِ لِمَا بَعْدَهُ فَهُوَ مِنْ التَّرَقِّي وَلِعُمُومِ بَرِّهِ بِخَلْقِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِمْ هُوَ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ أَوْ الَّذِي إذَا عُبِدَ أَثَابَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ قَوْلُهُ: (الْجَوَادِ) ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى غَيْرُ تَوْقِيفِيَّةٍ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَحَقِيقَةُ الْجُودِ فِعْلُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي لَا لِغَرَضٍ وَلَا لِعِلَّةٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِاَللَّهِ وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ لَهُ بِالْكَثِيرِ الْجُودِ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ اللَّامِ أَوْ مِنْ رِعَايَةِ الْمَقَامِ. وَالسَّخَاءُ مُرَادِفٌ لَهُ أَوْ هُوَ سِعَةُ الْعَطَاءِ فَهُوَ أَخَصُّ. وَإِنْ قِيلَ بِمَنْعِ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْكَرَمُ أَعَمُّ مِنْهُمَا مَعًا.

قَوْلُهُ: (جَمْعُ نِعْمَةٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْفَتْحِ التَّنَعُّمُ وَبِالضَّمِّ الْمَسَرَّةُ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى إنْعَامٍ) أَيْ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ الْحَمْدِ عَلَى الْوَصْفِ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ، وَلِأَنَّ عَدَمَ نِسْبَةِ الضَّبْطِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَالنِّعْمَةُ بِمَعْنَى مُنْعَمٌ بِهِ مُرَادِفَةٌ لِلرِّزْقِ عَلَى الْأَوْجَهِ. وَقِيلَ: مُلَائِمٌ لِلنَّفْسِ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَرَتَّبُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ هُوَ مَرْزُوقٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْ بِجَمِيعِهَا) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ اللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ أَيْ جَمِيعِ نِعَمِهِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ كُلُّ نِعْمَةٍ فِيهَا نِعَمٌ لَا تُحْصَى فَنَحْوُ اللُّقْمَةِ فِيهَا الْإِقْدَارُ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَنَاوُلِهَا وَمَضْغِهَا وَإِسَاغَتِهَا وَهَضْمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِي الْخَبَرِ لَا يَسْتَدِيرُ الرَّغِيفُ وَيُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْك حَتَّى يَعْمَلَ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَانِعًا أَوَّلُهُمْ مِيكَائِيلُ وَمَلَائِكَةُ السَّحَابِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْأَفْلَاكُ وَمُلُوكُ الْهَوَاءِ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ وَآخِرُ ذَلِكَ الْخَبَّازُ وَالْمُرَادُ أَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي جِنْسَيْنِ أُخْرَوِيٍّ وَهُوَ بِالْعَفْوِ

ــ

[حاشية عميرة]

قِيلَ الْأَحْسَنُ أُؤَلِّفُ لِيُفِيدَ تَلَبُّسَ الْفِعْلِ كُلِّهِ بِاسْمِ اللَّهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْوَصْفُ) شَامِلٌ لِثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ خِلَافَ تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ الْقَصْدُ بِهَا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: هِيَ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ الْخَلْقِ) قَيْدٌ يَعُمُّ بِقَرِينَةِ الْمِلْكِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَأَنْ يَحْمَدُوهُ) الْأَخْصَرُ لَهُ أَوْ لِحَمْدِهِمْ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِذَلِكَ) رَاجِعٌ لِلْمَضْمُونِ. قَوْلُ: (الْمَتْنِ الْبَرُّ) يُقَالُ بَرَرْت فُلَانًا أَبَرُّهُ بِرًّا فَأَنَا بَرٌّ بِهِ وَبَارٌّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْكَثِيرُ الْجُودِ) قَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (جَمْعُ نِعْمَةٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ: تَنْزِيهُ الْأَثَرِ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْعَدِّ أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ تَنْزِيهِ صِفَةِ الْفِعْلِ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ: إجْرَاءُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَقِبَ حَمْدِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمِدَ عَلَى الْإِنْعَامِ قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ: وَالْحَمْدُ عَلَى الْإِنْعَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِ الْبَارِي، أَمْكَنُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْأَثَرِ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ بِجَمِيعِهَا) هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>