للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّابِقِ. وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيُلْصِقَ مُسَبِّحَتَهُ بِالْأُخْرَى وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمَبْدَأِ، وَهَذَا لِمَنْ لَهُ شَعْرٌ يَنْقَلِبُ بِالذَّهَابِ وَالرَّدِّ لِيَصِلَ الْبَلَلُ إلَى جَمِيعِهِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الرَّدِّ، فَلَوْ رَدَّ لَمْ تُحْسَبْ ثَانِيَةً.

(ثُمَّ) مَسْحُ (أُذُنَيْهِ) ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا بِبَلَلِ مَاءِ الرَّأْسِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَهُ لِرَأْسِهِ وَيَمْسَحُ صِمَاخَيْهِ أَيْضًا بِمَاءٍ جَدِيدٍ ثَلَاثًا» ، وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِثُمَّ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ الْأُذُنَيْنِ عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ خِلَافَ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْوَاوِ.

(فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ الْعِمَامَةِ) أَوْ لَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا (كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» . وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ النَّاصِيَةِ.

(وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) بِالْمُثَلَّثَةِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَانَتْ كَثَّةً، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» . وَالتَّخْلِيلُ بِالْأَصَابِعِ مِنْ أَسْفَلِ اللِّحْيَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَقَالَ: يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ

(وَ) تَخْلِيلُ (أَصَابِعِهِ) لِحَدِيثِ لَقِيطٍ السَّابِقِ فِي الْمُبَالَغَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الدَّقَائِقِ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.

وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ كَجٍّ وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْك وَرِجْلَيْك» وَالتَّخْلِيلُ فِي الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَصَابِعِ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى يَبْتَدِئُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَمَا فَعَلْت» .

(وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى) مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الْيَسَارِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ» . وَالتَّرَجُّلُ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ.

ــ

[حاشية قليوبي]

أُذُنَيْهِ)

وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُسَنُّ مَسْحُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَمَعَ الرَّأْسِ وَالِاسْتِظْهَارُ أَيْضًا فَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ مَرَّةً.

قَوْلُهُ: (لَا بِبَلَلِ الرَّأْسِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَسُرَ) لَيْسَ قَيْدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَالْعِبْرَةُ بِإِرَادَتِهِ. قَوْلُهُ: (كَمُلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) فَلَا يَبْتَدِئُ بِهَا خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَلَا يَمْسَحُ مِنْهَا مَا يُحَاذِي مَا مَسَحَهُ مِنْ الرَّأْسِ، وَيَكْفِي الْمَسْحُ فَوْقَ طَيْلَسَانٍ عَلَيْهَا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ مَسْحِهَا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ التَّحْجِيلَ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى مَا عَلَيْهَا نَحْوَ دَمِ بَرَاغِيثَ وَلَا مَا حَرُمَ لُبْسُهَا لِذَاتِهِ كَمُحَرَّمٍ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَغْصُوبَةِ.

قَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) إلَّا لِمُحْرِمٍ خَوْفَ إزَالَةِ الشَّعْرِ لِقُرْبِهِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْمَضْمَضَةَ لِلصَّائِمِ، وَتَخْلِيلُ كُلِّ مَرَّةٍ قَبْلَهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْرَافِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّخْلِيلِ مِنْ حَيْثُ طَلَبُ التَّثْلِيثِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَسْفَلِ اللِّحْيَةِ) أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَيَحْصُلُ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ الْآتِي.

قَوْلُهُ: (بِالتَّشْبِيكِ) لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ أَوْ الْجَائِي إلَيْهَا، وَخَرَجَ بِهِ وَضْعُ الْأَصَابِعِ بَيْنَ بَعْضِهَا فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (فَيَطْهُرَانِ دَفْعَةً) إلَّا لِنَحْوِ أَقْطَعَ، وَلَا يَضُرُّ فِي التَّيَامُنِ غَسْلُ كَفَّيْهِ مَعًا بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ لِدَفْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَمُخَالَفَةُ التَّيَامُنِ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا جَمِيعُ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (بِأَعْلَى الْوَجْهِ) وَفِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْأَصَابِعِ وَفِي صَبِّ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ، وَمِنْهُ الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ. قَوْلُهُ: (فِي طُهْرِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ) هُوَ بَيَانُ الشَّأْنِ وَتَفْصِيلُهُ وَلَيْسَ الْمَذْكُورُ كُلَّ الشَّأْنِ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَمُلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا كَالرَّأْسِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ بِرَفْعِ الْيَدِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَوْ مَسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَرَفَعَ يَدَهُ ثُمَّ أَعَادَهَا عَلَى الْعِمَامَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَسْحِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الرَّأْسِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ عِنْدَ التَّكْمِيلِ عَلَى الْعِمَامَةِ، ثُمَّ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمَمْسُوحُ مِنْ الرَّأْسِ هَلْ يُمْسَحُ مَا يُحَاذِيهِ مِنْ الْعِمَامَةِ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ؟ لَا.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى) .

قَالَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ: الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِهَا التَّيَمُّنُ إذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>